مرة قال الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين: "لو كنت أعرف ان المغرب سيصمد في حرب الصحراء الغربية ثلاث سنوات لغيرت موقفي قبل اندلاع الصراع". ويبدو أن هذه المقولة لم يكتب لها ان تدخل حيز التنفيذ بسبب الموت الذي غيَّب الراحل بومدين قبل أن ينعقد أول لقاء مغربي - جزائري على مستوى القمة كانت ستستضيفه جنيف وقتذاك. في حين ظلت سياسة الفرص الضائعة عنواناً لمحور العلاقات بين البلدين الجارين، ولم تنجح لقاءات القمة التي عقدت مرات عدة بين الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد والعاهل المغربي الملك الحسن الثاني في معاودة بناء جسور الثقة في علاقات البلدين. وإن كانت أذابت جليداً من الشكوك، وأسهمت في إعادة العلاقات الديبلوماسية التي كانت مقطوعة. ومنذ تلك الفترة التي انعكست ايجاباً على مسار البناء المغاربي، لم تحدث لقاءات بهذه الأهمية منذ استقالة بن جديد. ولأن التزامات مغاربية أسفرت عن إبعاد ملف الصحراء عن أولويات العواصم في نطاق دعم خطة التسوية التي ترعاها الأممالمتحدة، وعدم اثارة حساسيات الأطراف المعنية، فقد اعتبرت اتفاقات هيوستن التي رعاها الوسيط الدولي جيمس بيكر مخرجاً لائقاً لمعاودة بناء الثقة، من منطلق ان دعم الخطة الدولية يفضي الى التزام الجزائر وموريتانيا موقف الحياد كونهما مراقبين للتسوية السلمية. وتطرح العراقيل التي تواجه تنفيذ اتفاقات هيوستن السؤال: هل كان ضرورياً ان يذهب الملف الى هيوستن لإنجاز "انتصار" أميركي يكون مدخلاً لإرساء توازن في منطقة الشمال الافريقي ينظر اليه بعيون أميركية؟ وهل ان "حياد" الجزائر في التطورات الراهنة لنزاع الصحراء يعفيها من مسؤولية ايجاد تسوية أقرب في المكان وفي الزمان؟ ان الإرث الذي خلفه نزاع الصحراء الغربية يتقاطع مع مسؤولية بلدان الشمال الافريقي ازاء تسويق قضيته في المحافل الدولية فيما كان في الامكان حصرها على نطاق ضيق. فورقة "بوليساريو" التي استخدمت في فترات الحرب الباردة لاذكاء نزعة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، باتت اليوم واقعاً يمكن استخدامه لأهداف أخرى. وكما أن مشكل المغرب مع "بوليساريو" كان نتاج عدم تقدير لحماس واندفاع المجموعة الأولى للصحراويين الذين لا تزال سجلاتهم الدراسية محفوظة في الجامعات والمعاهد المغربية، فإن مشكل الجزائر لاحقاً مع "بوليساريو" قد لا يحيد عن هذا المنحى، لأن اتفاقات هيوستن في قراءة أبعد تكون حررت "بوليساريو" من حضانة الجزائر، مع ما يعنيه ذلك من مخاطر تحف بأوضاع الجنوب الغربي للجزائر الذي يؤوي اللاجئين والطوارق والفارين من شظف العيش في بلدان الساحل الافريقي. لعل السبب في ارجاء أي تسوية مقبولة لقضية الصحراء في اطار بلدان الشمال الافريقي المعنية، هو أنها ارتدت ابعاداً أكبر من صراع ثنائي، إذ تداخل فيها الامتداد الافريقي للديبلوماسية الجزائرية مع عناصر اقليمية لم تكن اسبانيا في أي وقت بعيدة عنها، كذلك الحال بالنسبة الى بلدان أوروبية أخرى، ليستقر الأمر عند الولاياتالمتحدة، ولو ان ذلك يتم تحت مظلة الأممالمتحدة. في الامكان استحضار مقولة الرئيس الراحل هواري بومدين، ولو أنها قيلت في السبعينات. إذ مر على نزاع الصحراء نحو ربع قرن. أهدرت فيه جهود وأموال. والجيل الذي ولد في فترة اندلاع الأزمة أصبح الآن راشداً. فالمطلوب الآن خيار راشد يجنب الأجيال المقبلة عواقب استمرار نزاع يعاكس المسار الحقيقي لتاريخ المنطقة وتحديات القرن المقبل.