يحتفل العالم الإسلامي في السنة الجارية بذكرى مرور 800 سنة على رحيل فيلسوف الأندلس القاضي ابن رشد. وتقام في المناسبة ندوات مختلفة تتناول أفكاره ومواقفه ومحنته السياسية أيام الخليفة المنصور دولة الموحدين. عاش ابن رشد في كنف دولة الموحدين في المغرب والأندلس، وعاصر الأمراء الأوائل الثلاثة واتصل بهم وتعاون معهم في مختلف الحقول والمستويات. وحسب نظرية المؤرخ عبدالرحمن بن خلدون تبدأ عوارض الضعف والانحلال في الدولة بين الخليفتين الرابع والسادس، وهذا يعني أن ابن رشد عاش في فترة قوة دولة الموحدين وتماسكها السياسي والعقائدي. يقدم ابن خلدون مادة غنية بالمعلومات في "تاريخ العبر" عن ظروف نشأة دولة الموحدين في المغرب والأندلس، والمصاعب الداخلية والخارجية التي واجهتها، خصوصاً في مرحلتي التأسيس والاستقلال بالدولة. وحسب نظرية صاحب "المقدمة" تحتاج الدولة لقيامها إلى عنصرين ضروريين: أولاً العصبية القبلية وهي الشوكة السياسية القادرة على حماية الحكم. ثانياً الدعوة العقائدية التي تعطي لحمة اجتماعية وتمنع تنافر العصبيات وتوحدها في دائرة مشتركة وهدف واحد. فالاجتماع السياسي عنده "عصبي" و"ديني" ولا تقوم الدولة من دون توافرهما. وعلى هذا الأساس النظري يقرأ صاحب "المقدمة" نشوء دولة الموحدين من بداياتها. فيصف موطن قبائل المصامدة في جبال المغرب، إذ هي "أمم لا يحصيهم إلا خالقهم، قد اتخذوا المعاقل والحصون وشيدوا المباني والقصور واستغنوا بقطرهم منها عن أقطار العالم ... ولم يزالوا منذ أول الإسلام وما قبله معتمرين بتلك الجبال قد اوطنوا منها أقطاراً بل أقاليم تعددت فيها الممالك والعمالات بتعدد شعوبهم وقبائلهم، وافترقت اسماؤها بافتراق احيائهم" ص 264. تقدم الفقرة فكرة عن طبيعة موطن المصامدة وكثرتهم العددية واستقلالهم الاقتصادي واكتفاء أقاليمهم وأقطارهم الذاتي وتوزع بطونهم وافتراقها على اسماء مختلفة، إلى ذلك كان "لهؤلاء المصامدة صدر الاسلام بهذه الجبال عدد وقوة وطاعة للدين ومخالفة لاخوانهم برغواطة في نحلة كفرهم" ص 265. فابن خلدون يضيف إلى عصبية المصامدة وازع الدين والذود عن الاسلام ضد الخارجين على طاعته، وكان للمصامدة قبل الاسلام ملوك وأمراء وكانوا في حال نزاع مع ملوك المغرب ودخلوا في حروب وفتن داخلية مع قبيلة لمتونة وهي عصبية دولة المرابطين وشوكتهم في بلاد المغرب، وبقي الأمر كذلك "حتى كان اجتماعهم على المهدي وقيامهم بدعوته فكانت لهم دولة عظيمة" ص 265. والدولة التي يقصدها صاحب "تاريخ العبر" هي دولة الموحدين التي عاش في أطيافها ودوائرها الحكومية صاحبنا القاضي ابن رشد. بعد أن يحدد ابن خلدون بيئة المصامدة الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية ينتقل إلى موقعهم السياسي وكيف تسنى لتلك القبيلة ان تقيم دولتها العظيمة في بلاد المغرب والأندلس. اشتهر المصامدة بشدة بأسهم أيام الفتح وحروبهم إلى جانب عقبة بن نافع وموسى بن نصير فاستقاموا على الإسلام واظلتهم دولة لمتونة. وفي عنفوان تلك الدولة، كما يذكر ابن خلدون، لمع نجم "إمامهم الشهير محمد بن تومرت صاحب دولة الموحدين المشتهر بالمهدي" ص 266. وأصل ابن تومرت من "هرغة من بطون المصامدة". وزعم "كثير من المؤرخين ان نسبه في أهل البيت" وان "نسبه الطالبي وقع في هرغة من قبائل المصامدة" وانتسب إليهم وصار في عدادهم وشب "قارئاً محباً للعلم" ص 266. وبهذا التحديد اكتملت شروط قيام الدولة عند صاحب المقدمة. فإبن تومرت ينتمي إلى عصبية قبلية وله نسب قديم يتصل بأهل البيت، ولفرع قبيلته باعها الطويل في الحروب والفتوح والتدين وحب العلم، وكلها عناصر ضرورية لنشوء الدولة. حتى هنا لا جديد في تحليل ابن خلدون. فهذه النظرية يكررها في مطلع كل بحث عن أصول كل دولة. يبدأ الجديد في تلك المعلومات الفريدة التي يقدمها عن تكوين وعي محمد بن تومرت وكيف انتقل من صاحب فكرة إلى صاحب دولة. بدأ وعي ابن تومرت المختلف عندما ارتحل في طلب العلم إلى المشرق في القرن الخامس الهجري، فاتجه إلى الاسكندرية وقام بفريضة الحج. آنذاك كان المشرق في أسوأ حالاته. فالخلافة العباسية تقلصت إلى حدود بغداد ودخلت الدولة في صراعات عصبية على السلطة وبات الخليفة أسير السلاطين وأصحاب المدن وأمراء الجيوش. وكانت الدولة الفاطمية في مصر تعاني من صعوبات داخلية بعد نجاح حملة الافرنج الأولى في الاستيلاء على القدس وإقامة عشرات الممالك الافرنجية على طول ساحل الشام من انطاكية إلى عسقلان ودفعت الفاطميين إلى داخل حدود مصر وضغطت على مركز الخلافة وعزلته عن البحر المتوسط، وتحولت مدن الشام الداخلية من حلب إلى دمشق إلى حقول معارك وتدافع بين أصحاب الدول التابعة رمزياً للخلافة العباسية وأصحاب الممالك الافرنجية. وكانت تلك المدن تتعرض دائماً لهجمات وغزوات سلب وقتل أو حصار من قبل الفرنجة. في مثل هذه الأجواء دخل ابن تومرت العراق والتقى هناك، كما يذكر ابن خلدون "جلة العلماء يومئذ وفحول النظار" ص 266. وأخذ ابن تومرت يفكر بتأسيس دولة في المغرب وتحدث عن فكرته للعلماء و"لقي فيما زعموا أبا حامد الغزالي وفاوضه بذات صدره في ذلك" ص 267. ويبدو ان الإمام الغزالي بحث معه في الأمر ودرس أسباب اختلال الدولة في المغرب وتمزق الاسلام آنذاك في تلك الديار ونجاح الفرنجة في الأندلس في تسجيل انتصارات وانتزاع المدن والحواضر من المسلمين. كان الإمام الغزالي آنذاك يعيش سنواته الأخيرة وهو على حاله من أشهر العلماء وأقواهم نفوذاً، فهو صاحب "احياء علوم الدين" الذي اطلق ثورة فقهية تعليمية أثمرت لاحقاً في إحياء تعاليم الدين وقيامه باعباء الدولة والتصدي لحملات الافرنج وهزيمتها. وهو أيضاً صاحب كتاب "تهافت الفلاسفة" الذي سدد من خلاله ضربة قوية للفلاسفة المسلمين وكشف فيه تناقض أدلتهم وتعارضها في الكثير من المسائل مع الشريعة الإسلامية. ويعتبر الإمام الغزالي في المعنى المذكور المؤسس الحقيقي لاستقلال الفلسفة الإسلامية حين وضع علامات وفواصل بين فلسفة الفقه وفقه الفلسفة وأعاد رسم الحدود بين ما هو قرآني وما هو يوناني، وابان معنى الخلط بين الشريعة وفلاسفة النقل عن الترجمات اليونانية. كان الإمام الغزالي على المذهب الشافعي وطريقة الاشعري في المحاججة والكلام، وهي طريقة وضع أسسها الإمام الأشعري عندما انقلب على المعتزلة وفكك آليات تفكير فرقها في كتابه "مقالات الإسلاميين". ثم اتبع خطواته ومنهجه عشرات العلماء والأئمة برز منهم الإمام الباقلاني وتبعه إمام الحرمين الجويني وهو أستاذ الإمام الغزالي الذي اتصل به ابن تومرت وكشف له عن خطته لإنشاء دولة إسلامية في المغرب تقوم بتوحيد الملة ومواجهة الفتن وحروب الفرنجة في الأندلس. إلى الغزالي، اتصل ابن تومرت كما يذكر ابن خلدون بأئمة الأشعرية "من أهل السنة وأخذ عنهم واستحسن طريقتهم في الانتصار للعقائد السلفية، والذّب عنها بالحجج العقلية الدافعة في صدور أهل البدعة" ص 267. آنذاك كانت بلاد المغرب، ولا تزال، على المذهب المالكي. وأخذت منذ القرن الرابع تشهد دخول طرق مختلفة في تأويل المتشابه من الآيات والأحاديث وتأثر فقهاء المالكية بمناهج المذاهب السنية الأخرى، خصوصاً الاحناف مذهب أبو حنيفة في الرأي والقياس والشافعية وطريقة الأشعري في الكلام. وظهرت محاولات فقهية متقدمة تحاول أن تجمع بين المالكية والحنفية أو بين المالكية والشافعية. إلا أن تلك المحاولات اقتصرت على صفوة العلماء والأئمة من فقهاء المالكية ولم تتحول إلى تيار شعبي يؤسس لمذهب توفيقي يجمع العناصر التأويلية والتفسيرية من المذاهب السنية الثلاثة. إلى ذلك، عرف الأندلس المذهب الظاهري السني وهو طريقة تأخذ بظاهر القرآن من دون الغوص في التأويل والتفسير. وعرف ذاك المذهب بعض الانتشار على يد الإمام ابن حزم الظاهري واقتصر نطاق نفوذه على النخب الفكرية والسياسية وعرف بعض الازدهار في فترة دولة الموحدين، إلا أنه عاد واضمحل إلى أن تلاشى مع نهاية الدولة. عاد ابن تومرت إلى المغرب مشبعاً بأفكار الغزالي وأئمة الأشعرية في ظروف كان العالم الإسلامي يعيش في حالات فوضى وتخبط في مشرقه محاصرة الخلافة في أضيق حدودها ومغربه انقسامات عصبية أخذت تضرب دولة المرابطين ووسطه ظهور عوارض الضعف والانحلال في الدولة الفاطمية في مصر وحملات افرنجية في وقت واحد ضد معاقل المسلمين وحواضرهم في بلاد الشام والأندلس. بدأ ابن تومرت نشاطه لتأسيس دولته في المغرب على مستويين: الأول نشر دعوته العقائدية. والثاني الاتصال بالقبائل لتبني أفكاره. وخلط ابن تومرت بين مسألتين الأولى الأخذ "بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد، وأعلن بإمامتهم ووجوب تقليدهم، وألف العقائد على رأيهم مثل المرشدة والتوحيد". والثانية قوله "بعصمة الإمام على رأي الإمامية من الشيعة. وألف في ذلك كتابه عن الإمامة" ص 267. فابن تومرت، كما يذكر ابن خلدون، ابن نسب وحسب وتعود شجرة عائلته إلى فرع الطالبيين من أهل البيت لذلك استفاد من علومه الدينية والكلامية على الطريقة الأشعرية ودمجها بأصوله الهاشمية وهي عناصر كافية لاعطاء صدقية لدعوته ونشرها في قومه قبائل المصامدة لتعزيز أفكاره بعصبية تملك شوكة للدفاع والحرب. يفترض ان يكون ابن تومرت عاد إلى مواطنه في مطلع القرن السادس الهجري لأن الإمام الغزالي توفي في العام 505 للهجرة وهو في عمر لا يتجاوز 55 سنة. وباشر دعوته، وأطلق على نفسه لقب الإمام وبدأ باتصالات كانت بدايتها فاشلة إلى أن التقى "كبير صحابته عبدالمؤمن بن علي حاجاً مع عمه فأعجب بعلمه، وأثنى عزمه عن وجهه ذلك، واختص به، وشمر للأخذ عنه" ص 267. ارتحل ابن تومرت الإمام مع عبدالمؤمن صاحب الشوكة إلى مواطن المصامدة في الجبال لنشر الدعوة وتأسيس الدولة. ودخل هناك بمناظرات فقهية انكر على قومهم "جمودهم على مذهب السلف" ونجح في الظهور على فقهاء المالكية، الأمر الذي أثار الحسد والسخط، فاضطر إلى الارتحال عنهم والانتقال إلى ايكيلين من بلاد هرغة "فنزل على قومه" سنة 515 هجرية و"بنى رابطة للعبادة، واجتمعت إليه الطلبة والقبائل، فأعلمهم المرشدة والتوحيد باللسان البربري. وشاع أمره في صحبته" ص 268. بعد أن وطد ابن تومرت أمره بين أهله انتقل من المناظرات الكلامية إلى المناوشات العسكرية، فأرسل إليه أمير دولة الملثمين قواته بغية اعتقاله فانتقل إلى معقل يصعب الوصول إليه. وهناك "دعا المصامدة إلى بيعته على التوحيد"، فدخلت قبيلة هرغة في دعوته ولحق بها العديد من القبائل من هنتاتة وتينملل ودميرة ونفيسة. ولما كملت بيعته "لقبوه بالمهدي، وكان لقبه قبلها الإمام. وكان يسمي أصحابه الطلبة، وأهل دعوته الموحدين" ص 269. بعد بيعته وانتشار دعوته انتقل في العام 518 هجرية إلى المناطق الجبلية الوعرة ومرتفعات البربر، وبنى في جبل تينملل داره ومسجده، وأخذ يقاتل من تخلف عن بيعته من المصامدة حتى استقاموا إلى دعوته ودخلوا في طاعته مثل قبائل هزرجة وهسكورة ووازكيت. ثم اعتزم على غزو لمتونة فهزمهم وبدأ بجمع "كافة أهل دعوته من المصامدة" ص 269. وأبلى عبدالمؤمن خلال معارك "المهدي" أحسن البلاء، فاعتمد عليه في كسر شوكة الخصوم ونجح في ذلك إلى ان كانت وفاة "المهدي" سنة 522 هجرية. اطلق على اتباع "المهدي" الموحدين وذلك تعريضاً كما يقول ابن خلدون بقبيلة لمتونة "في أخذهم بالعدول عن التأويل وميلهم إلى التجسيم" ص 270. توفي صاحب الدعوة في وقت كانت قوات الموحدين في يد قائد عسكري قوي الإرادة ويتمتع بشوكة قاهرة وتحيط به عصبية المصامدة القوية التي تتمتع بالسيطرة الكاملة على جبال المغرب. قبل رحيل "المهدي" بسنتين ولد صاحبنا ابن رشد في قرطبة في العام 520 هجرية من أسرة عريقة في العلم فجده ابو الوليد بن رشد كان قاضي القضاة في الأندلس وأمير الصلاة في المسجد الجامع في قرطبة، وهو من أئمة المذهب المالكي وله فتاوى مخطوطة لا تزال موجودة في مكتبة باريس. ووالده ابو القاسم أحمد كان قاضي قرطبة راجع كتاب عبدالرحمن مرحبا ص 720، فأسرة ابن رشد كانت من أعرق الأسر الأندلسية وأبعدها شأواً في الفقه والقضاء راجع كتاب ماجد فخري، ص 371. وكانت ثقافته متنوعة تجمع علوم اللغة والفقه والكلام. ودرس منذ صغره اللغة والأدب والفقه والاصول وعلم الكلام وروى الحديث عن والده. ودرس الشريعة على الطريقة الأشعرية وأتقن علم الكلام، ودرس الفقه على مذهب الإمام مالك صاحب كتاب الموطأ وأفتى على المذهب المالكي بطريقة علم الكلام الأشعرية، ودرس أيضاً الطب والرياضيات والحكمة راجع مقدمة البير نصري نادر، ص 4 - 15. آنذاك كانت الأشعرية منتشرة في شريحة صغيرة من فقهاء وعلماء وأئمة المذهب المالكي وجرت محاولات للجمع بين المذهبين الشافعي والمالكي على طريقة المتكلمة الأشعرية. إلى الأشعرية، كان المذهب الظاهري حاضراً في الأندلس بعد انتشاره عن طريق دعاة أبرزهم ابن حزم توفي في العام 456 هجرية وغيره من علماء الظاهرية. عاصر جد ابن رشد ووالده دولة الملثمين المرابطين وكانت أسرته من العائلات المعتبرة التي اعتمد عليها الولاة والأمراء في شؤون الفتيا والقضاء، خصوصاً في إمارة قرطبة. بينما برز في إمارة اشبيلية القاضي المالكي ابي بكر بن العربي وهو غير ابن عربي الصوفي صاحب كتاب الفتوحات المكية. كان القاضي ابن العربي من أشهر علماء عصره في الأندلس ويعدد ابن كثير في تاريخه صفاته في الفقه والعلم والزهد والتعبد و"سمع الحديث بعد اشتغاله في الفقه، وصحب الغزالي وأخذ عنه" المجلد 11/12، صفحة 247. عرف عن ابن العربي أنه أحد تلامذة الإمام الغزالي وتأثر بطريقته الأشعرية على مذهب الإمام الشافعي وحاول الجمع بين الفقه المالكي وطريقة الغزالي الأشعرية. إلا أنه وبحكم وجوده في الأندلس ابتعد عن أستاذه الغزالي نظراً الى تأثره بأجواء سيادة المذهب المالكي وحضور الطريقة الظاهرية التي ترفض الأخذ بالتأويل، فقرر أخذ مسافة عن طريق المتكلمة واتجه إلى شرح الترمذي وأخيراً قام باتهام أستاذه الإمام الغزالي الأخذ برأي الفلاسفة ويُنقل عنه أنه قال عن أستاذه "دخل في أجوافهم فلم يخرج منها" ابن كثير، المصدر نفسه. يذكر أن الإمام الغزالي اتبع منهج التفكيك في سجاله ضد الفلاسفة واستخدم طريقتهم لهدم منظومتهم الفكرية من الداخل، وهو اسلوب عابه عليه بعد 200 سنة الإمام ابن تيمية. وكان الإمام ابن تيمية اتبع منهج الهدم في سجاله ضد الفلاسفة وأيضاً ضد الأئمة فخرالدين الرازي ابن الخطيب والغزالي والأشعري، واطلق تلميذ ابن تيمية الإمام ابن قيم الجوزية على منهج أستاذه "المنهج الهدمي" أي هدم أفكار الخصم من الخارج من دون ضرورة للدخول إلى حقلهم وذلك لتمييزه عن منهج الغزالي وهو "المنهج التفكيكي" الذي دفعه إلى دخول منطق الفلاسفة وتقويضه من الداخل. يتفق ابن تيمية مع الغزالي على مبدأ التقويض ويختلف معه على المنهج. فالغزالي اتبع منهج التفكيك من الداخل بينما ابن تيمية اتبع منهج الهدم من الخارج، وانتقده لأنه لجأ إلى التفكيك بدلاً من الهدم. واستخدم ابن تيمية رأي القاضي ابن العربي في استاذه دخل في أجوافهم فلم يخرج منها كقاعدة انطلاق للسجال ضد المتكلمة من الاشاعرة الباقلاني، الجويني، والغزالي وغيرهم من المشتغلين في الفلسفة والمنطق. في هذا الجو من الاصطراع المذهبي والكلامي والسياسي عاش ابن رشد طفولته وتلقى علومه وشبّ في لحظة انتقالية تاريخية أخذت فيها دولة المرابطين تذبل وتتلاشى مقابل نشوء دولة الموحدين وصعودها.