تشهد بريطانيا أول معرض من نوعه عن الحضارة الفينيقية في الفترة من 24 شباط فبراير الى 1 آذار مارس في مركز "اوليمبيا" في غرب لندن، وذلك خلال "معرض الفنون والتحف" الذي يقام ربيع كل عام. وسيتضمن معرض "فينيقيا: فنونها وتأثيرها" اكثر من 300 قطعة أعارها 17 من جامعي الاعمال الفنية ومتاحف مختلفة، من ضمنها متحف الجامعة الاميركية في بيروت ومتحف قرطاجة، بالاضافة الى متحفي "فيتزويليام" في كامبردج و"اشموليان" في اكسفورد. تبدي بريطانيا اهتماماً كبيراً بالحضارات المصرية واليونانية والرومانية، مقابل اهتمام ضئيل نسبياً بالفينيقيين على رغم الأثر الذي تركوه على الحضارات الاخرى. وحسب المسؤول عن المعرض انغس ستيوارت فان "الفينيقيين يمثلون، بمعنى ما، الحضارة العظيمة التي لم تُكتشف بعد". ويشير بيتر كلايتون، مستشار الاثار في المعرض، الى "التأثير المدهش" الذي مارسه الفينيقيون ضمن دورهم كوسطاء ينقلون السلع والاتجاهات الفنية عبر البحار، ويصفهم ب "الخيوط التي تنسج منها لوحة العالم القديم بأسره". يهدف المعرض الى تمكين علماء الاثار والاداب القديمة والاكاديميين والطلبة وافراد الجمهور المهتمين من الاطلاع على مواد لا يمكن رؤيتها في العادة الاّ في متاحف بيروت او قرطاجة. ولا يُعرض للجمهور حالياً الاّ القليل من المواد الفينيقية الموجودة في المتاحف البريطانية، فمعظمها محفوظ في مخازن. ونسبة كبيرة من القطع التي يتضمنها المعرض لم يشاهدها الجمهور من قبل. من ضمن الجهات التي ترعى المعرض "صندوق استكشاف فلسطين" و "حملة انقاذ صور" المسؤولة عن المساهمة النشيطة لمنظمة "يونيسكو" في حماية صور التي تعتبر احد المواقع الفينيقية المهمة. وتلعب "جمعية متخرجي الجامعة الاميركية في بيروت" في المملكة المتحدة دوراً نشيطاً للغاية عبر رئيس مجلس ادارتها هشام الصلح، وذلك من خلال دعم ارسال مواد مهمة من متحف الجامعة الاميركية الى المعرض. وستقدم الدكتورة ليلى بدر المسؤولة عن المتحف محاضرة في مركز "اوليمبيا"، في الساعة السابعة من مساء الخميس 26 شباط فبراير الجاري، عن موضوع "بيروت الفينيقية". ويقول هشام الصلح ان من المحتمل ان يشارك في المعرض وزير لبناني. وكان الصلح رافق المسؤول عن المعرض انغس ستيوارت في زيارة الى لبنان في كانون الاول ديسمبر الماضي. ويقول ستيوارت ان احد الاشياء التي اثارت انتباهه مدى الاهتمام الذي يبديه اللبنانيون باسلافهم الفينيقيين. وقد التقى خلال الزيارة وزير الثقافة فوزي حبيش، ومسؤولين في السياحة والمتاحف. ويشير ستيوارت الى ان متحف الجامعة الاميركية في بيروت يحتوي بعض المواد الرائعة. واعار المتحف للمعرض حوالي 14 قطعة، من ضمنها اعمال من السيراميك والزجاج ومباخر وآنية فخارية وقدر للطبخ ومرآة وقوارير عطور. والاهم من هذا كله ان المتحف سيبعث بعرش بديع من الحجر الجيري للآلهة عشتار، وللعرش جناحا حيوان اسطوري ملتصقان به. كما زار ستيوارت المتحف الوطني في بيروت. ويقول ان "القسم المفتوح من المتحف مذهل وجميل للغاية وبسيط جداً. وهو يحتوي اشياء فريدة". ولم يوافق المتحف الوطني بعد على إعارة اي مواد للمعرض، لكن لا يزال من المؤمل ان يفعل ذلك. ومن محتوياته التي تستأثر باهتمام خاص كنوز فينيقية من جبيل بيبلوس. وشملت جولة ستيوارت ايضاً زيارة صور وصيدا وجبيل. ويقول: "دُهشت. فكل منها يختلف كثيراً عن الاخر، ولكل من آثارها طابعه المختلف، لكنها في النهاية تشترك في الطابع الأساسي لهذا الشعب من منطقة البحر الابيض المتوسط الذي عُرف بالتجارة عبر البحار". ويلفت هشام الصلح الى ان معرضاً اخر، اكبر حجماً، عن الفينيقيين سيقام في معهد العالم العربي في باريس في تشرين الاول اكتوبر المقبل، ومن المؤمل ان يُقام في وقت لاحق معرض في الولاياتالمتحدة. ويضيف انه يأمل في اقامة معرض فينيقي في المتحف البريطاني في لندن في مطلع الالف الثالث المقبل. ومن المثير للاستغراب حقاً ان التاريخ الرائع للفينيقيين لم ينل اهتماماً يُذكر في بريطانيا بالمقارنة مع المعارض وبرامج التلفزيون الكثيرة في السنوات الاخيرة عن المصريين والرومان والاغريق. ونشطت تجارة الفينيقيين انطلاقاً من مدن مستقلة على امتداد الساحل الشرقي للبحر المتوسط، مثل اوغاريت وجبيل وصيدا وصور، وازدهرت حضارتهم من حوالي 1200 قبل الميلاد الى 146 قبل الميلاد عندما دمّر الرومان قرطاجة. وجاء تدهور المدن الفينيقية العظيمة مع احتلال صور، المرة الاولى من قبل الملك البابلي نبوخذ نصر في 573 قبل الميلاد، ثم اسكندر المقدوني في 332 قبل الميلاد. يعتبر الفينيقيون شعبا وليسوا أمة. وهم تجار بالسليقة وكانوا اول من صمم وبنى الاساطيل التجارية. كما كانوا من بين أول الشعوب، وربما اعظمها، في الملاحة والتجارة، ونشروا نفوذهم الى ابعد من ساحل اسبانيا الغربي حيث اسسوا ميناء قادس وشمال افريقيا لكي يصلوا الى مقاطعة كورنوول في جنوب غرب بريطانيا، حيث كانوا يشترون الصفيح، الذي كان يخلط بالنحاس ليصنع منه البرونز. وتظهر لوحة رسمها لورد ليتون معلقة في بورصة لندن التجار الفينيقيين وهم يقايضون السلع مع سكان بريطانيا في العصور القديمة. وكان التجار الفينيقيون يوفرون للرومان الصبغة الارجوانية لزيهم الامبراطوري، وهي مستخرجة من نوع من المحار موجود عند سواحل صور. والمادة الاخرى الشهيرة التي كانت تصدر من لبنان هي خشب الأرز. قام الفينيقيون بتبسيط الألفباء الى 22 حرفا صامتاً، واصبحت هي الاساس للالفباء الأوروبية الحالية بعدما استعارها الاغريق من الفينيقيين. كما عبر القائد العسكري هانيبعل جبال الألب على الفيلة، وأوشك ان يحتل روما. ومن الشهيرات في تاريخ الفينيقيين جيزيبيل أميرة صور، وسليلتها ديرو اليسار التي أسست قرطاجة. هناك من يرى ان الكثير مما ترويه ملحمتا هوميروس يعود الى اساطير الفينيقيين. كما ساهم فلاسفة الفينيقيين في تطور الفكر الاغريقي. ويرجح ان مفهوم "المدينة - الدولة" فينيقي الأصل قبل ان يصبح لاحقا أساس الديموقراطية الاغريقية. وتظهر صور "العدائين الفينيقيين" انهم عرفوا المهرجانات الرياضية قبل الاوليمبياد اليونانية بوقت طويل. كما أن كلمة "اوروبا" نفسها هي اسم ابنة ملك فينيقي سباها المعبود الاغريقي زوس الذي جاءها في شكل ثور، ثم تزوجت لاحقا من أستيريوس ملك كريت. احتوى عرض خاص يسبق الافتتاح على عدد من التحف، من بينها قنينة يستعملها الحجيج، وهي من بيروت وتعود الى ما بين القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد. ويلاحظ أنغوس ستيوارت ان النقوش على جانبها تظهر تأثيرات الحضارة الميسينية. وهو مثال على قدرة الفينيقيين على ادخال تحسينات على ما يستعيرونه من الحضارات الاخرى. هناك أيضا قنينة من المرمر من لبنان. من المعروضات كذلك غطاء لتابوت يعود الى ثلاثة الاف سنة اكتشف في سواحل لبنان. كما نرى كمية من القطع النقدية، من بينها قطعة فضية من صور من النوع الذي استلم يهوذا الاسخريوطي 30 قطعة منه ثمناً لخيانته السيد المسيح، وقطعة ذهبية ثقيلة من قرطاجة تحمل رسم الآلهة "عنات" التي كان الفينيقون يضحون اليها الولد البكر. الأكيد ان العدد القليل من القطع في العرض الخاص يثير تشوق المشاهد الى المعرض الذي يفتتح رسمياً في 24 الشهر الجاري ويحتوي على 300 قطعة.