وفقاً لمصادر يونانية رفيعة المستوى حسمت السلطات التركية العليا قرارها لصالح التقدم نحو المرحلة الاعدادية الاخيرة قبل انتاج اسلحة نووية، وذلك بعد ثلاث سنوات من البحث والدراسة، وبعد عقدين من التحضير وعمليات بناء البنية الصناعية الاساسية لهذه الخطوة. ويبدو حسب محللين وخبراء يونانيين ان القرار التركي جاء في ضوء نجاح باكستان والهند بانتاج اسلحتهما النووية، وما يقال عن تطوير ايران لبرنامجها النووي واسلحتها غير التقليدية، الى قدرة العراق المستمرة على الاحتفاظ بامكاناته العلمية والتقنية لانتاج اسلحة غير تقليدية ايضاً. وجاء التعاون الاستراتيجي بين اسرائيل وتركيا في المجالات الامنية والعسكرية ليساعد انقرة على حسم خياراتها ووفر لها دعماً تقنياً وسياسياً اضافياً. وبحسب نشرة تقرير اثينا الاسبوعي ذكر المحلل اليوناني اليكساندروس تاركا في مقال له نشره في مجلة الدفاع والديبلوماسية العلمية الرصينة - عدد ايار مايو 1998 - ان المعلومات التي توافرت لدى المجلة من مصادر موثوقة تؤكد ان القيادة التركية قررت انتاج الماء الثقيل محلياً والبدء في تخصيب اليورانيوم الطبيعي في المفاعلات النووية التي تملكها، ولا سيما داخل محطة آكويو التي تقع قرب مدينة ميرسين. ويذكر ان تخصيب اليورانيوم ينتج مادة البلوتونيوم وان امكانات الاستغلال القصوى لهذه المادة بهدف تطوير القدرات الانتاجية للمحطة تتطلب استخدام الماء الثقيل، وبامكان هذين العنصرين توفير العناصر الاساسية لتصنيع وانتاج الاسلحة الذرية والنووية. واشارت المجلة المذكورة الى ان السلطات التركية اجرت في مطلع الصيف الماضي مناقصة عالمية لتطوير قدرات المحطة المذكورة شاركت فيها شركة NPI ناكلير باور انترناشيونال الفرنسية - الالمانية وشركة AECL الكندية وشركة وستنغهاوس الاميركية. وتتراوح قيمة العقد بين 39.2 بليون دولار و37.3 بليون. وبحسب المجلة نفسها فان البدء في تنفيذ هذه العقود والمشاريع سينطلق في كانون الثاني يناير المقبل. هذه المعلومات ليست جديدة بل تسربت في سياق سلسلة من الاخبار متصلة بتطور البرنامج النووي التركي. ففي عام 1993 كتب نائب وزير الدفاع اليوناني ثيودوراس ستانيس مقالاً في صحيفة تانيا اليونانية الواسعة الانتشار اكد فيه ان بلاده متيقنة من استكمال تركيا لكل الشروط والمقومات العلمية والصناعية لانتاج اسلحة نووية بما في ذلك الحصول على اليورانيوم المخصب من بعض دول العالم التركي في آسيا الوسطى، فضلاً عن وجود العلماء والمهندسين المتخصصين. وكان الرئيس الارجنتيني كارلوس منعم صرح في تشرين الاول عام 1990 اثر لقائه بنظيره التركي توركوت اوزال "ان تركيا ستتمكن من انتاج الطاقة او الاسلحة النووية في غضون سنوات قليلة". وجاء تصريحه معتمداً على دور بلاده في بناء محطة آكديو النووية في منتصف الثمانينات. بدأ البرنامج النووي التركي خطواته الاولى منذ نهاية الستينات، حين اشترت تركيا اول مفاعلاتها من الولاياتالمتحدة وخصصته للاغراض العلمية. وكان مقدراً له ان يتطور لولا ان الولاياتالمتحدة اوقفت كل اشكال التعاون في هذا المجال مع تركيا في السبعينات عقاباً لها على غزو قبرص، وبسبب تسريبها لبعض الخبرات والاسرار الى باكستان التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع تركيا. الا ان هذه استطاعت في الثمانينات تعويض التوقف السابق ومضاعفة تطورها في المجال النووي حين اشترت خمسة مفاعلات صغيرة من المانيا والارجنتين واميركا بعد رفع العقوبات عنها ووزعتها على جامعاتها الرئيسية في انقرة واسطنبول وأزمير وعلى بعض المحطات الكهربائية الضخمة كالتي في آكديو. ونما هذا البرنامج في العقد السابق على ايقاع التحسن المطرد في الاقتصاد والدخل القومي الذي وفر متطلبات التوسع في الانفاق العسكري والطموح الى لعب دور اقليمي اكبر في منطقة واسعة تمتد من البلقان الى القوقاز في حقبة الرئيس السابق اوزال الذي عرفت سياسته الخارجية باسم العثمانية الجديدة. وحدثت القفزات الكبيرة في المشروع في مطلع العقد الجاري، اذ فتح انهيار الاتحاد السوفياتي امام تركيا عالماً واسعاً في آسيا الوسطى يحقق طموحاتها. ومن بين الجمهوريات التركية التي استقلت عن روسيا كازاخستان وهي ذات قدرات صناعية وعلمية نووية متقدمة. وتشير مصادر عديدة الى ان تركيا استطاعت الحصول على يورانيوم طبيعي وكميات من اليورانيوم المخصب كما حصلت على تكنولوجيا نووية متنوعة. وتذكر دوائر اخرى الى احتمال حصولها على رؤوس نووية جاهزة من بعض الدول السوفياتية السابقة. وفي عام 1992 اشترى الاتراك محطتين نوويتين واحدة من المانيا والاخرى من كازاخستان… وفي العام التالي 1993 اعلن الاتراك رسمياً انهم نجحوا في بناء محطة جديدة اعتماداً على قدراتهم الذاتية التي تطورت بصورة ملحوظة بعد تنامي القلق لدى المؤسسة العسكرية التركية من تعاظم المخاطر من ظهور تيارات قومية متطرفة تكن عداء لا يخفى لتركيا في موسكو وصل الى درجة اعلان فلاديمير جيرينوفسكي عزم حزبه على اجتياح تركيا اذا وصل الى السلطة. الا ان هذا التفكير اصطدم على ما يبدو ببعض العقبات السياسية الدولية، اذ تخشى الولاياتالمتحدة من انتشار الاسلحة النووية خارج نطاق الدول الخمس التي تملكها حالياً. كما تخشى من امتلاك تركيا لهذه الاسلحة بالذات لأنه سيفتح باب السباق النووي تشارك به اليونان وبلغاريا وايرانوالعراق. وتعتقد بعض الدوائر اليونانية ان تركيا ربما حلت مشكلة الاعتراض الاميركي عن طريق تحالفها الاستراتيجي مع اسرائيل عام 1996. وتعتقد هذه المصادر ان تركيا التي قدمت مساعدات علمية وتقنية مهمة لباكستان في بداية مشروعها قبل ربع قرن عادت اليوم لتسترد دينها من باكستان بعد ان اكملت الاخيرة برنامجها. ويذكر ان المؤسسة العسكرية التركية وضعت في العام الماضي 1997 خططاً لتطوير برامجها التسلحية بقيمة 50 بليون دولار على مدى عشر سنوات، وهو رقم كبير جداً بالنسبة الى الاقتصاد التركي والازمات التي يعاني منها منذ خمس سنوات. ويربط بعض المراقبين بين هذه الخطط الضخمة والاستعداد لانتاج اسلحة نووية ويرون ان المبلغ الكبير المخصص لتحديث السلاح يشمل انتاج مواد واسلحة غير تقليدية