في اللوحات الجديدة للرسام وليد سيتي محاولة جدية للعثور على صوت خاص من خلال معاناة الهجرة، وبحث عن أماكن الانطلاق من العزلة. تبرز في أعماله المعروضة في "غاليري ديوراما آرتس" في لندن رموز وأشكال لها علاقة بالوطن لكنها تكاد تنمحي في عتمة من الذكرى البعيدة. المكان في لوحاته يأخذ عدداً من الأشكال الهندسية، منها الخرطوم الذي يتكرر في الرسوم استبدالاً لمواقع من كردستان، لكنها تتحرر شيئاً فشيئاً من علاقة تربطها بعالم خارجي فتعود إلى تأكيد ما هو موجود في رؤية الفنان الحالية. مر هذا الرسام بمراحل عدة: فترة الدراسة في تشيكوسلوفاكيا سابقاً، وفيها حاول جهد الامكان الابتعاد عن الالتزام والواقعية الاجتماعية. ثم مرحلة التشبع بالانتاج الفني الواسع المتباين في لندن وما أعقبها من فترة ضياع. ثم جاء زمن البحث عن الصوت الخاص، وفيه انتقل الفنان من المكان رمزاً وقوالب ومعماراً، إلى المكان اتجاهاً نفسياً. ظهر في الأعمال الأخيرة اتجاه نحو العملية الابداعية نفسها كموضوع للتعبير. ويرى سيتي أن انتاجه الفني يظل محكوماً بثلاثة محاور: الناظر، والشكل، ثم الشعور بالتسلط كيفما كانت أنواعه، حتى ولو كان من الفن نفسه. في هذه الحالة يحاول ان يترك العتمة وراءه، وقد استخدم بعضاً منها هادئ المسحة، كأنه ليس متأكداً من التأثير الذي سينتج عنها، خصوصاً في الهندسة العامة للشكل. تظهر هذه الفترة جذابة بالنسبة إلى الفنان والمتلقي، ربما لأنها مستوحاة من حياة شخصية عوضاً عن التظاهر بالقضايا والتصورات الفكرية. هنا نجد نفوذاً وثباتاً في الطريقة، وابتعاداً عن المغالاة في التجميل. يغلب على بعض المناظر اسلوب الدراسة، في حين ان الاشكال التي تبدأ عفوية ما تلبث ان تتحول إلى وسيلة لإعادة الصورة التعبيرية القديمة. وهذا النموذج القديم يظل مسيطراً، وقد يتعارض مع ما يريد الفنان تحقيقه تقنياً وفكرياً. في اللوحات إشارات من الطبيعة: صوامع وتلال وقلاع، لكنها لا تظهر سوى كتل من ذكرى، من التاريخ القائم في خيال الرسام، أنه يحولها إلى قوالب هندسية ويضعها في عتمة ألواناً وخطوطاً ومساحات. ينظر المشاهد إلى هذه الحركة متسائلاً كيف يمكنه ربط الأشكال بمعنى أو إشارة خاصة به؟ أما الرسام فيقول إنه استخدم بعضاً من أعماله المعلقة للبحث في كيفية نمو العمل الفني وأخذه وجوداً نهائياً منذ الانطلاق العفوي للبداية، ما يؤدي إلى مفاجأة الفنان نفسه. التنافر يحدث حينما لا يستطيع الرسام مزج المهمتين: التعبير عن نظرة حالية والتجربة في متاهات الابداع والمفاجأة... اسلوب العتمة والكتل وتجزؤ اللوحة إلى مساحات قد يؤدي إلى اتجاه واحد يجتر نفسه وقوالبه، قانعاً بالاستكشافات التي يحققها من حين لآخر. بينما يظل العالم - على الأقل بيئة الفنان الأوروبية - ينتظر إطلالة، ينتظر تنوعاً واستلهاماً. فلا يمكن الوصول إلى درجة من الوعي بالواقع الحالي من خلال الانجذاب دائماً إلى صور الماضي. استلهام الجديد لا يعني القفز وراء موضة تلو أخرى. إنه حوار مستمر مع الممكن وردّ فعل مع طبيعة متغيرة. قد يؤدي هذا إلى ربط علاقة متينة مع جمهور يبحث هو الآخر عن رموز تحركه.