الأزمة الاخيرة بين العراقوالولاياتالمتحدة لا بريطانيا او الأممالمتحدة او اي طرف آخر تشبه اربع ازمات سابقة مع ادارة كلينتون، فهي انتهت بتراجع العراق عن تحدي العقوبات الدولية، الا انها تختلف عن كل ازمة سابقة في كونها الازمة الاخيرة من نوعها، فالادارة الاميركية ستضرب في المرة القادمة من دون انذار. بين آخر الشهر الماضي عندما اوقف العراق التعاون مع فريق التفتيش الدولي، والرابع عشر من هذا الشهر عندما تراجع ككل مرة سابقة، سارت الازمة في اتجاه مطروق معروف، فالولاياتالمتحدة حشدت قواتها، وأعلنت الحشد لارهاب العراق، وحشدت مع ذلك الدعم الديبلوماسي المطلوب اقليمياً وعالمياً للضربة، ثم جلست تنتظر ان يتراجع العراق، وهو ما حدث. مع ذلك لم يحدث في أي مواجهة سابقة ان اوقفت الضربة العسكرية في اللحظة الاخيرة فعلاً، فيوم السبت الماضي كانت طائرات ب - 52 في الجو، وهي مسلحة بصواريخ كروز، كما استعدت قاذفات ومقاتلات في المنطقة وحولها للاقلاع، ووضعت حاملة الطائرات دوايت ايزنهاور، الموجودة في الخليج، في حالة تأهب نهائي. ثم ارسل العراق رسالته المعروفة الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان بقبول التفتيش من جديد، ورفضت الولاياتالمتحدة ملحقاً بالرسالة اعتبرته شروطاً، فعاد سفير العراق في الأممالمتحدة السيد نزار حمدون يؤكد بسرعة ان القبول غير مشروط، وان الملحق مجرد نقاط للبحث. وقال مسؤول في وزارة الدفاع الاميركية مستغرباً: "بدا كما لو انه صدام حسين عرف ان قواتنا في الجو. وجاء التراجع في آخر، آخر لحظة". لا فائدة الآن من البحث في ماذا كان سيحدث لو تراجع صدام حسين في كانون الثاني يناير 1991، وانما السؤال هو هل تعلم الرئيس العراقي درس تلك الحرب؟ الارجح انه لم يتعلم شيئاً، وهو يبدو كوّن انطباعاً لنفسه ان بيل كلينتون ضعيف او متردد، ويستطيع اختباره مرة بعد مرة. وفي حين ان كلينتون اقل ميلاً الى استخدام القوة العسكرية من جورج بوش، فان الانطباع عن ضعفه مبالغ فيه، ويكفي ان العقوبات على العراق استمرت طوال سنوات ولايته، وان العراق تراجع في كل مواجهة سابقة مع ادارته. الادارة الاميركية تفضل ابقاء العراق محاصراً من دون ضربة، فالعمل العسكري سيثير غالبية العرب على اميركا مهما كانت مبرراته، وهو لا يجد دعماً كافياً حول العالم، فباستثناء بريطانيا تضطر الولاياتالمتحدة في كل مرة الى ممارسة الترهيب او الترغيب مع اي دولة تحاول استمالتها الى موقفها. وفي النهاية، فالمطلوب تحقق اكثره، على الرغم من كل محاولات العراق العرقلة، وفريق التفتيش اكتشف من اسلحة الدمار الشامل في العراق وعطل ما يزيد كثيراً على ما خسر العراق في حرب تحرير الكويت. وتحاول اونسكوم الآن اكتشاف صواريخ من صنع محلي ورؤوسها، وأسلحة كيماوية اهمها 500 قذيفة من غاز الخردل اعترف العراق بها ولم يجدها المفتشون، وأسلحة جرثومية هناك اوراق عنها في حوزة المفتشين، وعناصر لصنع اسلحة نووية، من دون ان يكون الموجود منها كافياً لصنع قنبلة. المهم اليوم ان الادارة الاميركية، من دون تصريح علني، لم تعد تثق كثيراً بقدرة اونسكوم على القيام بالمهمة المطلوبة، والسناتور الجمهوري ريتشارد لوغار تحدث عن اونسكوم بصيغة الماضي، ومع ذلك ففريق التفتيش الدولي سيبقى، ولو املاً من الولاياتالمتحدة بأن يطرده النظام العراقي مرة اخرى، فتوجه ضربة عسكرية من دون انذار. السياسة الاميركية بعد المواجهة الاخيرة تقوم على سيناريو الضربة هذه، مع استمرار العقوبات الى اجل غير مسمى. ومع ان صدام حسين يزعم انه انتصر، فالواقع انه نجح في جعل الولاياتالمتحدةوبريطانيا تدعوان علناً الى اطاحة صدام، بعد ان كان الرئيس بوش رفض هذا الخيار وهو يخرج منتصراً من الحرب سنة 1991. غير ان تبني الرئيس كلينتون دعوة الكونغرس لاطاحة صدام، مع تخصيص المال لذلك، لا يعني شيئاً على الارض، فالمعارضة العراقية لا تحظى بأي نفوذ داخل البلاد، بل انه لا يوجد بلد خارج العراق يريد استضافتها ومساعدتها، حتى ان الكويتيين انفسهم غير متحمسين كثيراً لأركان المعارضة، فمع رغبتهم في سقوط صدام، فانهم يدركون ان المعارضة العراقية لا تستطيع ذلك اليوم او في المستقبل القريب. في نهاية المطاف، لن يستطيع احد اطاحة صدام سوى صدام نفسه، فهو قد يرتكب الخطأ الذي يمكن اعداءه منه. وبما انه واجه الولاياتالمتحدة وتراجع خمس مرات منذ تحرير الكويت، فربما كان يعتقد انه يستطيع تحديها مرة اخرى، مع ان الاشارات كلها من واشنطن تقول ان الادارة تنتظر مثل هذا التحدي، وربما تدفع صدام باتجاهه فهي تعرف كيف تستفزه، املاً بأن يعطيها العذر لتنفيذ المهمة التي اجهضت بعد اللحظة الاخيرة في نهاية الاسبوع الماضي.