جامعة روكفلر واحدة من المعاهد العالمية القائدة في البحوث الطبية البيولوجية. لكنني لم أقصدها للتعرف على أبحاث حشرات الفواكه أو الاطلاع على عمليات السيطرة على دورة الخلايا في الخميرة. لقد جئت بالاحرى للبحث عن نفسي. يوسف جميل عتيق الباحث في الحوسبة الطبية في روكفلر يريد أن يريني "فيس إت" FaceIt، وهو برنامج يفترض أن يخبرني بالفرق بيني وبينك. يواجه عتيق الكومبيوتر وتظهر صورته الفيديو على الشاشة. وتتحرك دائرة حمراء مومضة نحو المنطقة حول عيني يوسف وتتحول بسرعة الى اللون الأخضر. ويصدر صوت معدني من الميكروفون يقول "أنا أرى يوسف عتيق". يوسف يبلغ من العمر 33 سنة وهو يعتبر نفسه فيزياوياً، وليس أهبل كومبيوتر. وكان يعيش في ضواحي القدس عندما كتب بالعربية، وهو في عمر 15 سنة كتاباً جامعياً تضمن مقدمة في الفيزياء الحديثة. وحصل يوسف في وقت لاحق على القبول في جامعة ستانفورد في الفيزياء دون أن يكون حاصلاً على شهادة الثانوية العامة. وانتقل في منتصف الثمانينات الى معهد الدراسات المتقدمة في برنستن في نيويورك. وقام هناك بوضع بحث مع عالم الفيزياء المرموق إدوارد ويتن عن رقائق الخيوط الفائقة، وهي النظرية التي تقول أن كل شيء في الكون يتكون من جدائل خيطية رهيفة متأرجحة ذات 10 أبعاد. وأدرك يوسف بسرعة استحالة البرهنة قطعاً على الحزوز الكونية بالتجربة. وقرر أن يحتّز بعدين أو ثلاثة من الأبعاد العشرة والبدء بتطوير نظريات تنمذج كيف يستخلص الدماغ الاشارات المفيدة من العالم الواقعي الصاخب. بدأ هذا العمل في برنستن وحمله معه لاحقاً الى جامعة روكفلر. وقام يوسف على الهامش بتطوير برنامج "فيس إت" مع اثنين من الفيزياويين الملحوسين، هما نورمان ردليتش وبول غريفين اللذين شكل معهما شركة "فيزيونيكس". ويمثل البرنامج الملامح الطوبوغرافية للمواقع المحلية للوجه. على سبيل المثال موضع الأنف بالنسبة للعينين. ويختلف "فيس إت" عن التقنيات الاخرى للتعرف على الوجوه التي تنتج وصفاً رياضياتياً للوجه بكامله. فالبرنامج الجديد لا يربك نفسه بميلان الرأس أو تموضع الوجه أمام الكاميرا. بدلاً من ذلك تقوم التقنية التي يطلق عليها اسم تحليل الملامح المحلية بفحص ما إذا كانت تشكيلة الأنف والعينين تظل ثابتة حتى لو فغر الفم عن تكشيرة عريضة. صُمّم "فيس إت" كأداة للاستخدام ضد عمليات سرقة البنوك وتسلل الغرباء. وأراني يوسف على كومبيوتر الحضن كيف يمكن تغذية الكومبيوتر بشريط فيديو يصور أشخاصاً يجتازون بالسيارة محطة الحدود المكسيكية، وكيف يفلح "فيس إت" بتشخيص معظم الوجوه بمقارنتها مع صور محفوظة في قاعدة معطيات. ويحاول البرنامج الذي تجري تجربته خلال الشهور المقبلة على الحدود المكسيكية أن يتثبت من هويات مسجلة للمسافرين الذين يترددون بانتظام على الحدود المكسيكية. * مقاطع من تقرير في مجلة العلوم الأميركية "ساينتفيك أميركان" Scientific America