يبدأ الشهر المقبل عرض فيلم "الحصار" The Siege في الولاياتالمتحدة، وهو فيلم يخشى الكثير من العرب والمسلمين ان يعزز النماذج السلبية المألوفة عنهم التي تصوّرهم كارهابيين. وكان مجلس العلاقات الاميركية الاسلامية واللجنة العربية الاميركية المناهضة للتمييز عقدا مؤتمراً صحافياً في لوس انجليس في اب اغسطس الماضي للاحتجاج على الفيلم. وبادر راي حنانيا الصحافي والروائي الفلسطيني الاميركي البارز اخيراً الى انشاء صفحة خاصة على موقعه في شبكة انترنت لتقديم اقتراحات حول سبل الاحتجاج بشكل فاعل ضد الفيلم. وعنوان موقعه، الذي يحمل اسم "واحة راي حنانيا الاعلامية"، هو www.hanania.com. ويشارك في بطولة الفيلم بروس ويليس وآنيت بنين ودينزل واشنطن. ويؤدي طوني شلهوب، وهو من اصل لبناني، دور محقق من اصل عربي في مكتب التحقيقات الفيديرالي "إف بي آي". يبدأ الفيلم بعمليات تفجير ينفذها ارهابيون عرب يلجأون إلى تهديد اطفال في مدينة نيويورك. ويعلن بروس ويليس، الذي يؤدي دور جنرال، حال الطوارىء. ويدعي المدافعون عن الفيلم انه متعاطف مع الاميركيين العرب لانه يقدمهم كضحايا يُحتجزون في معسكرات اعتقال كما حدث لليابانيين في اميركا خلال الحرب العالمية الثانية. وقال المخرج ادوارد زويك انه سعى في "الحصار" الى تقصي نزوع الاميركيين الى استهداف جماعة اتنية معينة بشكل مجحف. وكان التقى والمنتجة ليندا اوبست ممثلين عن مجلس العلاقات الاميركية الاسلامية واللجنة العربية الاميركية المناهضة للتمييز اثناء تصوير الفيلم، وادخلا بعض التغييرات على النص، لكن المنظمتين لم تقبلا بالحصيلة النهائية. ولم يوافق شلهوب على المشاركة في "الحصار" الاّ بعدما اقتنع بأنه ليس مناهضاً للعرب. لكن حنانيا يعتقد ان شلهوب مخطىء وان الفيلم سيعزز النماذج السلبية المألوفة عن الاميركيين العرب. كتب حنانيا خلال العشرين سنة الماضية مقالات في بعض الصحف الاميركية المعروفة. ونُشر كتابه الاول "انا مسرور لاني أشبه الارهابي: النشوء كعربي في اميركا" في العام 1996، وكانت روح الفكاهة سلاحه الفاعل فيه. وهو يقول ان "اميركا تستجيب بشكل جيد للفكاهة. نحن، في اوساط الاميركيين العرب، لم ندرك ابداً مدى التأثير الذي تمارسه الفكاهة على الاميركيين". وتدور روايته الاخيرة حول دير ياسين، اما روايته الثالثة "رحلة بالطائرة في منتصف الليل" فتتناول العلاقات بين البيض والسود في اميركا. أخفق العرب حتى الان في تغيير تراث هوليوود المليء بالنصوص والانتاج السينمائي المناهض للعرب. ويقول حنانيا ان "عدد الافلام المناهضة للعرب التي اُنتجت خلال السنوات العشرين الماضية يفوق ما اُنتج في السنوات العشرين التي سبقتها. وتبدو الافلام الاحدث - مثل "الحصار" - اكثر جرأة في اعتدائها على صورتنا واكثر ايذاءً بالنسبة الينا كعرب". ولم تنجح فعلاً سوى حملة واحدة للعرب ضد احد افلام هوليوود، وهو فيلم "علاء الدين"، اذ جرى تغيير بعض اغانيه المسيئة عند اصدار طبعة الفيديو. ويحتوي موقع حنانيا على شبكة انترنت بعض "الافكار المفيدة البسيطة" حول كيفية التصدي بشكل فاعل للصور السلبية والزائفة عن الاميركيين العرب والمسلمين في افلام هوليوود. وهو يؤكد الحاجة الى "تبني موقف ايجابي، والتحلي باللباقة، وتقديم معلومات ايجابية". ويقترح على منظمي الاحتجاج ان "يتجنبوا المناظرات والمواجهات والاّ يسمحوا لانفسهم بالانجرار الى نزاع. عليكم الاتصال بمنظمات اخرى للاميركيين العرب للحصول على الدعم والمشورة. والتقوا مراسلي ومحرري الصحف ومحطات التلفزيون والاذاعة المحلية". كما ينصح ابناء الجالية العربية ان يقوموا بزيارة مدراء دور السينما ويوضحوا لهم بأن فيلم "الحصار" يطفح بالكره والتمييز وليس منصفاً تجاه الاميركيين العرب والمسلمين. وينبغي ان يعدوا لائحة بالحقائق المهمة ويقدموا وصفاً لجاليتهم وحجمها، وانها ترتاد السينما التي يُعرض فيها الفيلم. ويؤكد حنانيا اهمية الامتناع عن تأييد مواجهات سلبية مثل تنظيم تظاهرة امام السينما: "لا تسمحوا للانفعال بأن يطغى على عقلانيتكم وحسن تقديركم. خاطبوا حس الانصاف لدى مالك السينما". وبدأ حنانيا بالفعل التحاور بشكل غير رسمي مع بعض اصحاب دور السينما. "انهم لا يريدون مشاكل، لكن لن يحظروا عرض الفيلم لانهم يعتبرون انه يحقق نجاحاً كبيراً وسيجنون منه ارباحاً طائلة". وهو يقترح ان يسعى منظمو الاحتجاج الى اقامة معرض للثقافة العربية او عرض صور ايجابية عن المسلمين داخل دار السينما اثناء عرض الفيلم: "واستفسروا عما اذا كان يمكن توزيع كراس يوضح لماذا يثير الفيلم انزعاج العرب والمسلمين، مع ضمان ان يكون الكراس مقنعاً ولا يستفز مشاعر القارىء ويركز على ما هو ايجابي". كما يقترح حنانيا تنظيم مناسبات يمكن لمشاهدي الافلام الراغبين بالحصول على مزيد من المعلومات ان يشاركوا فيها، واعداد لائحة بالكتب والمواقع على شبكة انترنت ومصادر اخرى تتيح للجمهور ان يفهم بشكل افضل تاريخ الاميركيين العرب والمسلمين. ورداً على سؤال لماذا يعارض تنظيم تظاهرات سلمية امام دور السينما، يقول حنانيا انه ينشط وسط الجالية العربية في شيكاغو منذ ان كان عمره 19 سنة وشارك في مئات التظاهرات: "لم تغيّر التظاهرات مواقف الجمهور الاميركي، وجعلت الاميركيين اقل تأييداً للعرب وينظرون الينا كمتطرفين، وغذّت الصورة السلبية المألوفة عن العرب كارهابيين". ويتجاوب الاميركيون بايجابية اكبر مع الاراء التي تُطرح بشكل هادىء ومنطقي وبحجج ذكية. ويشعر معظم الاميركيين باستياء من الافراد الذين يحاولون ان "يفرضوا قيمهم الاخلاقية" ويعطون الانطباع بأنهم يفرضون رقابة على وسائل الاعلام. ويلفت حنانيا الى ان عدد المشاركين في تظاهرات العرب دائماً ضعيف للغاية، وان الاميركيين يسألون انفسهم "اذا كان العرب يعجزون عن تعبئة جاليتهم لدعم هذا النشاط الاحتجاجي، فلماذا ينبغي لنا ان ندعمه؟". قد يكون هناك تجاوب اذا تجمع 3 الاف شخص مثلاً امام احدى دور السينما وطالبوا بالعدالة، "لكن تجمع 25 شخصاً امام سينما لن يؤدي الى كسب تأييد". ولا يرى حنانيا انه ينبغي لهوليوود ان تمتنع عن عرض صور سلبية عن العرب، لكنه يعتقد بأن عليها ان تعرض ايضاً عدداً مكافئاً او اكبر من الصور الايجابية عن العرب. وهو يطالب هوليوود بأن تشرع بانتاج افلام تعرض نمط حياة العرب وثقافتهم ومجتمعاتهم بشكل ايجابي. ويقول: "لا اطلب من وسائل الاعلام الاميركية، حيث عملت طوال 18 سنة، ان تكون متحيزة لصالحنا. اناشدها ان تكون منصفة وان تعرض كلا وجهتي النظر. اُدرك ان قضيتنا عادلة لدرجة انها عندما تُقدّم على قدم المساواة الى جانب لا عدالة الطرف الاخر فإن موقفنا سينتصر، لكن لم نُعط ابداً فرصة عادلة. لم يُنتج ابداً اي فيلم يقدم الاميركي العربي كبطل بعيداً عن سيناريو الارهابي". وهو يشير الى فيلم "تايتانيك" كمثال قوي على الطريقة التي يُستثنى بها العرب من افلام هوليوود. فقد ساعد هذا الفيلم في رفع مستوى ادراك معاناة كل الناس كبشر، بتقديم الايطاليين والانكليز والايرلنديين في صورة ايجابية. ومن الناحية التاريخية، كانت هناك اربع حفلات زواج عربية على متن "تايتانيك" وكان ضمن ركابها مئات عدة من العرب. ويقول: "مع ذلك، اُعطيت لنا لقطة عابرة فحسب عندما نادت ام عربية ابنتها، قائلة: يالله، حبيبتي". ويتابع: "لا اعتقد بأن القضية تتعلق باليهود مقابل العرب. اعتقد بأن القضية تتعلق بالجانب المادي. تلقى الافلام المناهضة للعرب رواجاً بشكل اساسي لان الجالية الاميركية العربية جالية ضعيفة. نحن نفتقر الى التنظيم. ونهدر الكثير من وقتنا في مهاجمة بعضنا البعض، ونبذل احياناً في ذلك جهداً يفوق ما نبذله في انتقاد اسرائيل". وهو يوافق على ان المسلمين الاميركيين يزدادون براعة في التعبير عن ارائهم، لكنه يشعر بالقلق لان العرب المسيحيين يتخلفون فهم لا يرفعون اصواتهم بقوة كما يفعل العرب المسلمون: "وكلما ركزنا اكثر على المسلمين بدلاً من التركيز على العرب كلما انتهى بنا الامر الى تمزيق جاليتنا الى اجزاء مختلفة". ويضيف حنانيا ان "هذا لا يعني اني كمسيحي لن استمر في تقديم الدعم الكامل لهذه التنظيمات المدافعة عن حقوق المسلمين. لكن اخشى ان الاسرائيليين يريدون ان يُفصل المسلمون عن العرب المسيحيين لان معظم الاميركيين مسيحيون". وهو يرى ان "ترويج" الكره المناهض للعرب "اذا استند فقط الى المسلمين سيكون اسهل مما لو شمل ايضاً عرباً مسيحيين معروفين".