هي نصوص حرة تلك التي ضمّها كتاب شكيب خوري "فرح الموت" عن دار الجديد - بيروت 1997، فيها اكتشاف السؤال وفيها عري الارتباك والحيرة والمفارقات والتقلبات ولهاث البحث القلق المعذّب. نصوص تتداخل وتتعرّج، تحنو وتعلن العصيان تذوب وتتحجّر "عبر الساحات والغابات والمستنقعات / توشوش الاشياء للاشياء..." ص 74 ترتفع الى فرح الموت ارتفاع الستارة على مهزلة وتدرك ان "روعة الحياة في العودة الى الرحم" ص107، هذا على ما أحسب محور المجموعة والعنوان سبق ودلّ، ولكن طريق العودة هذه وعر متشابك وعليه تستحضر رؤية الشاعر كل التناقضات. اهتزازات ضدية، ولكن، ثمة تيار أفقي يشبكها في إيقاع متناغم يتمثل على الاغلب في محاولة للنفاذ من الأنا الضيقة، فالبرغم من تلك الاهتزازات اللافتة. ثمة نغم تتبلور فيه الذات الانسانية كمحور عام للمجموعة. لكن هذا لا يعني ان شكيب خوري بلغ التفاعل الكلّي مع الهندسة التركيبية للنص. ذاك ان الغنائية تتوالى في خط متعرّج مجسّدة حالات تقوم دلالياً على التأرجح بين الحب والموت تتسلّل منهما لعبة اليوميات من الزمن المكسور ولكن في خط مستقيم هذه المرة ليغلب فيها بعد النمط التأملي وينتهي الى "المسجّى" نقطة الدائرة في المجموعة كما سبق وأشرنا. ويبرز بين المحورين التخبط الوعر لبلوغ لحظة النزوع الى الفناء في الاول: "المسجّى في فرحه صامت / هادىء / في بهجة الرحيل / توّاق الى الذات" ص99 و100. في التفتيش عن لغة التماوج بن الأثيري والترابي، تستحضر رؤية الكاتب جدلية تمتد من المباشرة الى الشعرية الى المسرحة ويسمو حين يمسرح، فالخشبة لغته كما هو معروف والحوار والمونولوج لعبته. يلوح لي بان الذهنية لم تتفاعل مع الوجدانية في تجسيد الحالة كما فعلت في التمسرح وأسقطت المسافة بين القول وفعله - الا نادراً - بينما استعارت في النصوص الاخرى دلالات فضفاضة لم تتماسك والحالة. ترشح المقطوعات عن وجع جائر متردد متدحرج كأنما تسكنه باستمرار حاجة الى لغة اخرى تكسر تلك الرتابة المزمنة فتتوالد الدلالات وتتباعد ولكنها دائماً تتشابك مع الذات في مشاهد وصور لم تغتسل كلياً وتتنقى للشعرية الصافية، انها التلقائية المسترسلة حافزها الصدق ثم الصدق. وهذا يحقق احياناً ما يعجز عنه التكلف وما تحدثه الصنعة المفتعلة من نفور وجفاء. من خلال ما تقدم نستشفّ ان أهم الاساليب الموظفة لبنية النص الدلالية هو التأرجح بين الشعرية والتمسرح، وفي كل الاحوال يكتب شكيب خوري بحميمية يتداخل فيها البوح بالانشاء، تخترق الاحاسيس الاشياء اليومية والمتخيلة وكلها تشدّه ليتخلى عنها في نهاية المطاف ويسجّى كما استهلّ، هل تعمّد دائرية البنية ام هو التداعي المتلوّن بالتأمل آناً وبالواقعية الساخرة غالباً، أحسب انه حنين الى "جزيرة العصافير" رائعة شكيب خوري المسرحية حيث جسّد رؤيته المتميزة الخارقة العمودية، حنين تائه بين جذب الحب وفرح الموت والحالة بينهما في غموض ما أدى الى غبش في الرؤية وفي شكلها وفي الحالين تنسج مفرداته من فضاء المسرح الحيوي الدرامي المتعدد الاصوات فتطرح القضية ولا توحي بها إيحاء الشعر وكثافته، كذا لم تتوارَ الانا خلف التجربة الكلية حيث الرموز والاحتمالات والمفاجآت.