قبلت الاممالمتحدة، كما كان متوقعاً، خطة جديدة وضعتها بغداد لتوزيع الغذاء والدواء في اطار المرحلة الاخيرة من تطبيق القرار 986 الخاص ببيع النفط مقابل الغذاء واستأنف العراق اول من أمس ضخ كمية اخرى من النفط، وبذلك فرض على المنظمة الدولية شرطه بقبول خطته اولا. ولكن ما هو دور المنظمة الدولية في مراقبة وضمان التوزيع بما يلبي حاجات المواطنين العراقيين، وهو جوهر القرار 986؟ والجواب الواقعي الوحيد عن هذا السؤال هو ان دورها معدوم بعدما سمحت لنفسها بأن يحولها النظام العراقي مجرد شاهد زور ويقنعها بالاعتراف بأنها، وليس هذا النظام، تتحمل مسؤولية معاناة العراقيين. معروف ان المشكلة بدأت في عهد الامين العام السابق للامم المتحدة بطرس غالي. فهو - سامحه الله - الذي وافق في 1996 على كل ما طلبت بغداد ادخاله في مذكرة التفاهم لتضمن سيطرتها الكاملة على كل ما يصل العراق من غذاء ودواء وتوزيعه كما تشاء من دون أن تترك أي مجال لتدخل المراقبين حددت بغداد عددهم بأقل ما يمكن على رغم أن واجبهم هو، بموجب هذه المذكرة، هو ضمان وصول الغذاء والدواء الى المحتاجين. يمثل الاممالمتحدة ووكالاتها في العراق مكتب تنسيق يضم وحدة متعددة الجنسيات واجبها جمع التقارير من هذه الوكالات ورفعها الى المقر الرئيسي في نيويورك. لا يشمل عملها لجنة نزع اسلحة الدمار الشامل. كيف يقوم المراقبون، وعددهم نحو 50 يتوزعون جغرافيا على العراق، بوظيفتهم؟ مذكرة التفاهم تلزم أي مجموعة منهم أن تبلغ السلطات العراقية قبل يوم بالمكان الذي تنوي أن تتوجه اليه. الحكومة تفرض أن يقود سيارة المراقبين سائق محلي ويرافقهم موظف من وزارة الصحة او وزارة التجارة. ومن السهل بعد هذا فهم المراقبين الذين يجمعون على صعوبة الحديث مع المواطنين العاديين ومعرفة الحقيقة منهم، واذا فعلوا فمن المستحيل أن يتحدث أي منهم بصراحة. الى ذلك تلزم مذكرة التفاهم المراقبين بأن يقتصر عملهم على المراقبة فقط من دون أي تدخل أو حتى توجيه انتقاد او تقديم اقتراح او توصية للحكومة العراقية، أي انهم لا يفعلون سوى اطلاع الاممالمتحدة على ما تسمح لهم الحكومة العراقية برؤيته و"مراقبته". وحتى المراقبة تكاد تكون غير ممكنة لأن مذكرة التفاهم تجعل المراقبين عمليا شبه موظفين لدى الحكومة العراقية تشغلهم بتفاصيل وتستنزف طاقاتهم بأمور لا علاقة لها، من قريب أو بعيد، بالأمم المتحدة وتنفيذ القرار 986. والحق ان مذكرة التفاهم، التي صادق عليها السيد بطرس غالي، تمنع الاممالمتحدة من أي تدخل حالما تصل المواد الغذائية والادوية الى العراق. فالحكومة هي التي تقرر كيف توزع هذه المواد والى أي مستشفى يرسل الدواء وتحدد المكان الذي يمكن المراقبين ان يتوجهوا اليه. هل من المستغرب بعد هذا اعتراف مسؤولين عن المراقبين في العراق بأن السكان الشيعة في جنوبالعراق حصلوا على سلة كاملة من الغذاء، بموجب القرار 986، مرة واحدة فقط، وذلك في آب اغسطس 1997؟ علماً ان المفروض هو أن التنفيذ الصحيح للقرار يعني توفير 70 في المئة من حاجات السكان العراقيين. في ضوء هذه الحقائق يمكن الجزم أن الاممالمتحدة لا تملك صورة عامة وواقعية لطريقة ما يجري فعلا على الأرض على صعيد تنفيذ القرار 986. ولذا عندما تعلو أصوات في سكرتارية الاممالمتحدة لتبرئة نظام بغداد من مسؤولية معاناة الشعب العراقي، فإن من الممكن اتهامهم في المقابل بأنهم ليسوا سوى شهود زور لمصلحة هذا النظام.