دكتورة سعودية ضمن القادة العالميين المؤثرين    القيادة تعزي ملك مملكة البحرين في وفاة سمو الشيخ إبراهيم بن حمد بن عبدالله آل خليفة    الصمعاني والدوسري يستعرضان إنجازات المملكة وتطور المنظومة العدلية اليوم    موجز    مناقصة قمح مستورد    البرهان: شكراً محمد بن سلمان.. شكراً ترمب.. الرياض تفتح أبواب السلام بالسودان    «واتساب» تتيح إنهاء صلاحية الرسائل تلقائياً    روبوت صيني يمشي لمسافة 106 كيلومترات    في الجولة ال 13 من الدوري الإسباني.. قطبا العاصمة خارج الديار أمام إلتشي وخيتافي    في الجولة ال 12 من الدوري الإنجليزي.. ديربي لندني مرتقب يجمع آرسنال وتوتنهام    في ختام الجولة التاسعة من دوري روشن.. النصر يسعى لعبور الخليج.. والتعاون يصطدم ب «نيوم»    عريس يشارك فرحته مع المحتاجين    الزهراني يزف عبدالله لعش الزوجية    بغدادي يحتفل بزفاف سلطان ومعتز    أحمد أمين يصور«النص 2» مطلع ديسمبر    «وسم الثقافي» يكرم الشاعر أبو زيد    الإسكندراني يستعرض تاريخ الأغنية السعودية    السجائر الإلكترونية تحتوي على جراثيم خطرة    11 مليون عقد عمل موثق عبر منصة قوى    23% نمو القروض الاستثمارية للثروة الحيوانية    خطة من 28 نقطة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية    الرئيس اللبناني: حصر السلاح بيد الدولة "حتمي"    القبض على 10 إثيوبيين لتهريبهم (180) كجم "قات" في عسير    سر زلازل سانتوريني يكشف أخيرا    للفترة الثانية .. "الرياضة" تعلن نطاق شهادة الكفاءة لأندية "روشن"و"يلو" لموسم 2025-2026    الأحمدي يكتب..جماهير الوحدة تُعيد ماضيها!    إنزاغي: افتقدنا اليوم 6 عناصر أساسية رغم ذلك حققنا الفوز    وزير «الشؤون الإسلامية» يؤكّد أهمية العناية بالشباب وتحصين فكرهم    الرياض وواشنطن مرحلة جديدة بعنوان الشراكة الإستراتيجية    الباحثة والصحفية السعودية سجى علي عارف تحصل على درجة الدكتوراه    «خير المملكة».. يتواصل    المملكة وقراءة المستقبل    منصة X تطيح بأقنعة الحسابات المعادية وتكشف مواقعها الحقيقية    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة عمان بمناسبة اليوم الوطني    الأسهم العالمية.. أسبوع مضطرب مع ارتفاع الأسواق الأميركية وانخفاض الأوروبية    السعودية تسهم في إدراج 16 عنصراً تراثياً لليونسكو    القيادة تهنئ رئيس لبنان بذكرى استقلال بلاده    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالخرج ينقذ ستينيًّا عانى من مضاعفات "غرغرينا" نادرة    الرياض واشنطن عنوان العالم    لينة التاريخية تتوشح بالأعشاب الموسمية والشجيرات    وزير الخارجية يلتقي رئيس وزراء فيتنام    شاحن الصحة النفسية    السرقة تحت غطاء المقدس    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    صحراء مليحة بالشارقة تشهد انطلاق النسخة الثانية لمهرجان تنوير بأمسية فنية موسيقية وتجربة إنسانية ملهمة    طبيب أردني: "الذكاء الاصطناعي" قد يحل أزمة نقص الكوادر في العلاج الإشعاعي    كتاب التوحد في الوطن العربي.. قراءة علمية للواقع ورؤية للمستقبل    أمانة الطائف تطلق مبادرة (شاعر الأمانة) تشجيعًا للمواهب الإبداعية في بيئة العمل    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    انطلاق النسخة الأكبر لاحتفال الفنون الضوئية في العالم    نائب أمير الرياض يرعى احتفال السفارة العمانية بيومها الوطني    الشيخ صلاح البدير: الموت محتوم والتوبة باب مفتوح لا يغلق    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤى تستشرف مستقبل التراث العربي
نشر في الحياة يوم 17 - 09 - 2011

صدر عن مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع، كتاب «التراث العلمي العربي: أسئلة للمستقبل» للدكتور فيصل الحفيان، مقدماً تأملات في الشأن التراثي العلمي العربي، ورؤى استشرافية وخطوات نحو منهج خاص بتحقيق التراث العلمي.
وجاء الكتاب في أربعة فصول، يمسك الكاتب في أولها بمرايا تعكس صورة حاضر التراث العلمي العربي، عبر تأملات لحضوره في حياتنا وإشكالياته، ومنها نقد هذا التراث ونقضه، وموقفنا وموقف الآخر منه، لتتبدى بعض المفارقات اللافتة. ويرجع الفصل الثاني إلى الجذور، ليسائل الماضي، وتحديداً تلك الحقبة التي شهدت غروب العلم العربي الإسلامي. وبعد الحاضر والماضي، جاء الفصل الثالث الذي يرنو الكاتب من خلاله إلى المستقبل، ويستشرفه، بإثارة بعض الأسئلة من نوع: هل يعود هذا التراث إلى الحياة مؤثراً وصانعاً للحضارة من جديد؟ وكيف يتحقق ذلك؟ وهل يستدعي نشر نصوصه مناهج خاصة به حتى نتمكن من الإفادة منه وتوظيفه التوظيف الصحيح. وجاء الفصل الرابع الذي عُنون ب «قراءات للاستبصار» ليستعرض نموذجين، يستطيع القارئ من خلالهما قراءة نصين من نصوص تراثنا العلمي، أولهما يعد أول تأليف في الطب «النفجسمي»، والذي جاء بعنوان «مصالح الأبدان والأنفس»، للبلخي، وثانيهما دراسة لداود الأنطاكي، تعد تتويجاً لنظر هذا التراث إلى منشأة حضارية (الحَمَّام) في علاقتها بصحة الإنسان، وهي بعنوان «التحفة البكرية في أحكام الاستحمام الكلية والجزئية».
ويشير الكاتب إلى وجود أربع إشكاليات رئيسية يعاني منها التراث العلمي العربي، هي في الترتيب: الجهل به على مستويات عدة: الأفراد، والمراكز الوطنية، والبيوتات، والمؤسسات الإقليمية، وعدم الاعتراف به، من أبنائه وغرمائه على حد سواء، وتركه من دون كفالة، ما يعني أن العمل فيه قائم على المبادرات الفردية التي تتسم عادة بالارتجال. وأخيراً، انضواء العمل فيه وله تحت مظلة التراث عموماً، رغم خصوصيته.
ويقول الحفيان إن تراثنا عموماً، والعلمي منه بخاصة، مظلوم، واقع بين مطرقة أبنائه وسندان غرمائه، مبيناً أن هؤلاء وأولئك غافلون عن قضيتين مهمتين، الأولى هي أن العلم تراكمي بطبعه، وأن شيئاً لا يمكن أن يقوم على شيء، وأن ما خلفه العرب في ميدان العلم ستظل له على نحو ما قيمة، وسيبقي فيه شيء يؤخذ ويُفاد منه، ويُبني عليه، ويُطور منه. أما القضية الثانية فهي أن العلم كائن حي، ومعرفة مراحل نموه تفيد، وتُعطي العظة وتعلم الربط بين الأسباب والنتائج، وبذلك نتفادى المزالق، ونتعلم من التجارب. وإن الجهل بالمراحل التي مر بها هذا الكائن تؤدي إلى أن يستغلق علينا، ومن ثم يتحول إلى لغز مستحيل الحل. ويتحدث الكاتب عن وجود أربعة أسئلة واضحة يثيرها التراث العلمي العربي، الأول هو سؤال المعرفة، وملخصه أننا لا نعرف حتى اليوم هذا التراث، وليست لدينا خريطة واضحة له، أما السؤال الثاني فهو سؤال النشر، فالنشر الذي يتناول التراث العلمي العربي هو نشر عشوائي واعتباطي، والجهود التي تمت في هذا المجال هي جهود جزئية، غير مدروسة، وانتقائية.
ويشير إلى أن السؤال الثالث هو سؤال القراءة، فهناك القراءة الافتخارية للتراث، وهي نوع من أنواع القراءات الانهزامية التي تُخلي ساحة الفعل، وتهرب إلى تهويمات الحلم، أما النوع الثاني من القراءة فهو القراءة الناقضة، أي الهدامة، وهي قراءة تقف في مواجهة الأولى، وتزيد عليها سوءاً، لأنها ليست مجرد انهزام وسلب، ولكنها تعدٍ وهدم. بينما يوجد التساؤل الرابع وهو الخطاب أو المثاقفة، ومعرفة كيفية عرض صورتنا، وتوصيل صوتنا، من خلال تراثنا العلمي.
ويطرح الحفيان مساءلات عامة لزمن غروب العلم العربي، مبيناً أن العلم العربي الإسلامي مر بثلاثة مراحل، الأولى هي مرحلة الألق (العطاء)، والثانية هي الغروب (المراوحة)، والثالثة هي العَتمة (التداعي)، وما زالت الأخيرة قائمة. ولا خلاف، في رأي الكاتب، على خطر المرحلة الأولى في تاريخ العلم الإنساني، كما أنه لا خلاف على أن الأخيرة هي حقاً تداع وانهيار، فقد كان التداعي لافتاً، على رغم مقدماته، والنذر التي سبقته.
ويستطرد الحفيان قائلاً إن الصدمات المتتالية لم تفلح في إعادة الوعي إلى العقل الذي ذُهل عن أنه ذاهل، فظلت عوامل النخر والسوس ترعى في بنيته إلى أن أتت عليه، وكان لا بد من أن يتداعي البنيان ويسقط. أما أولئك الذين التبس عليهم الأمر، فرأوا في «الغروب» حركة لا تختلف عن حركة «الألق»، فلم ينتبهوا إلى أن الحركة مجردة لا قيمة لها، كما أن قيمتها إنما هي بما تثمره من انتقال وتقدم، هذا إضافة إلى أن ثمة فرقاً جوهرياً بين الحركة الصاعدة، والحركة الهابطة، الحركة إلى الأمام، والحركة إلى الخلف.
ويطرح الكاتب سؤالاً بالغ الأهمية في الفصل الثالث من الكتاب: «هل يتكلم العلم بالعربية مرة أخرى؟». ويرى أن الإجابة عن هذا السؤال تتجسد في تظاهرة أقيمت في القاهرة عام 2003 بعنوان «عندما تكلم العلم بالعربية»، التي شددت على أن استشراف المستقبل لا يتحقق من دون أساس من الأمس، الأمس الذي يعطي القوة ويمنح الدافع. فالماضي والمستقبل إذاً وجهان لعملة واحدة، والسؤال بصيغة المستقبل لا ينفي أن نتحدث عن الماضي. ويؤكد الكاتب أن الاحتفال بأي شيء عربي إسلامي في الوقت الذي تشوه فيه صورة كل ما هو عربي إسلامي، وتجعل منه الآلة الإعلامية شيئاً متخلفاً دموياً إرهابياً، لا بد أن يكون شجاعاً أولاً، ومنصفاً ثانياً، وذا قضية ثالثاً، وهي العناصر التي تحققت في تلك التظاهرة.
ويوضح الكتاب أن إشكاليات التراث العلمي صنفان رئيسان: الأول ذو طابع بنيوي، وله تجليات ثلاثة مرتبطة بعلميته ذاتها، وتاريخيته، ولغته ومصطلحه. والثاني خارجي ظرفي، ويندرج تحته أمران: محدودية تناسخ نصوصه، وخطورة التصحيف والتحريف عليه، كما أنه يوجد عنصر خارجي مهم، يتمثل في تلك الفجوة الزمنية الواسعة التي غاب فيها العلم العربي الإسلامي.
وحول اتباع منهج خاص بتحقيق التراث العلمي، يؤكد الكاتب أن منهج التحقيق لا يمكن أن يكون شيئاً أصم، أو ساذجاً للحد الذي يجعل منه خطوات آلية تصلح لجميع النصوص بمستوياتها وموضوعاتها وانتماءاتها المختلفة، فالتحقيق عملية عقلية شديدة التركيب، يتعامل فيها عقل ما مع نتاج عقل آخر، وعليه أن يستنبطه، ويدخل في تلافيفه، ويُقيم اعوجاجه الذي قد يحدث بسبب الخطأ البشري الوارد في أثناء عملية الانتقال من الفكر إلى اللغة، أو بسبب عملية التناسخ التي يقوم بها آخرون للنسخة الأصل أو النسخ الأمهات.
ويشير الحفيان إلى أن منهج تحقيق النص التراثي العلمي في جوهره مرتبط بثلاثة أمور: المحقق (انتسابه وتكوينه)، والنص (ذاته) ومشاكله، ومكتبة النص، أي مصادره السابقة، وامتداداته اللاحقة؛ ينابيعه وروافده من ناحية، ومصابه من ناحية ثانية. وهذه الأمور يتجلي فيها المنهج الحق في خدمة النص التراثي العلمي من دون أن يعني ذاك هدم ما يجمع بينه وبين شقه الآخر، أي التراث الإنساني.
والمحقق، في رأي الكاتب، هو المتخصص في العلم الحديث، والدارس للعلم القديم وتاريخه معاً. فلا بد إذاً من أن تنصرف فئة من الذين درسوا العلوم الحديثة إلى تاريخ هذه العلوم. وبذلك يمكن الجمع بين أمرين: فهم العلم القديم الفهم الحق، وإدراك العلاقات بينه وبين العلم الحديث. فهم وإدراك يكشفان الحركة الداخلية للعلم عبر الزمان، ويحققان الربط بين المستور والمرئي. ويشير الكتاب إلى أن مشاكل النص العلمي ذاته تتبدى في اللغة، وتحتها المصطلح والألفاظ والتعبيرات المستعارة، والرموز والأرقام، والرسوم والجداول والأشكال. ويرى الحفيان أن التصدي لتلك المشاكل يكون بدخول عالم اللغة بالاقتراب منها في عدد من المصادر المشابهة، وقراءة النص المراد تحقيقه أكثر من مرة، والاهتمام بالرموز والأرقام، التي تعد أساس كتب الكيمياء والرياضيات والهندسة والفلك، والتعامل بمسؤولية تجاه الصور والأشكال الكبيرة، من حيث علاقتها بفكر النص، وقدرتها على إفساد النص في حال تشويهه أثناء عمليات التناسخ.
ويؤكد الحفيان أن قضية البحث عن منهج خاص بتحقيق التراث العلمي لا تزال تحتاج إلى كثير من التنظير الذي يضع في حسبانه طبيعة نصوصه وملامحها، مقلباً الوجوه المختلفة لخدمتها وتذليل صعابها، لافتاً إلى الأدوات والوسائل المعينة. ومن المهم أن يتم ذلك على أيدي المحققين العلميين ذوي التجارب الكثيرة والناضجة، لتخرج نتيجة تتضمن نظرية خاصة تُعبد الطريق أمام محققي النصوص العلمية من ناحية، وتخدم التراث قبل ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.