صرح رئيس هيئة حقوق الإنسان بأن المعلومات الخاصة بسجن المتهم باغتصاب القاصرات لمدة 60 يوماً في حبس انفرادي «كذبة»، ثم أوضح في التصريح نفسه بأن «الحبس الانفرادي لمدة طويلة في بعض الجرائم لا يخالف النظام». بصراحة لم نفهم التصريح؛ هل الرجل لم يسجن في حبس انفرادي لمدة 60 يوماً أم أن ذلك لم يحدث؟ وإذا حدث فعلاً فما المشكلة إذا كان ذلك لا يخالف النظام؟ سؤالي: ما دخل كلمة «كذبة» التي ظهرت في التصريح، والتي تعيدني كلما قرأتها إلى التساؤل نفسه: حدث أم لم يحدث؟! كذبه أم حقيقة؟! مخالف أم غير مخالف؟! - تضحكني وتحزنني كثيراً تعليقات القراء على بعض الأخبار، وأقوم أحياناً بعمل إحصائية عن عدد الأشخاص الذين علقوا على الموضوع مباشرة وبشكل صريح، وعدد الأشخاص الذين انتقوا من الموضوع ما يريدونه، وعدد الذين علقوا برد لا يمت بصلة إلى الموضوع، لا من قريب ولا من بعيد؛ ففي لقاء للمسنة المستغيثة التي كتبت عنها مراراً وتكراراً في آخر مقال تحت عنوان «استغاثة عاجلة»، والذي أثبت لي عملياً أن جميع الجهات المعنية صائمة لا تلتفت إلى الإغاثات إلا بعد وجود الجثث، كما أردد دائماً، بحسب ما أراه وألمسه أمامي بكل واقعية ووضوح. أجرت «سبق الإلكترونية»، وهي الصحيفة الوحيدة التي تفاعلت مع المقال، لقاءً مع والدة المريض التي شرحت معاناتها وخوفها والروتين البليد الذي تواجهه كلما طلبت معونة من جهات رسمية. ما لفت نظري بشدة أن نصف المعلقين قاموا بشتم المريض واتهموه بأنه عاق، رغم وجود المقالة التي توضح أنه مريض نفسي وليس عاقاً، وربعهم استهزؤوا بالأم وبعدم تربيتها له، واثنين من المختصين -بحسب تعريفهما لأنفسهما- أجابا بأن على الأم أن تعرضه على المستشفيات المتخصصة، وأن تشرح للمدير الحالة «وهو ما رح يقصر!». مقالتي التي لم يسمعها ولم يرها أحد -على ما يبدو- كانت توضح أنها لا تستطيع إقناعه بالذهاب للمستشفى، مقالتي التي لم يقرأها المسؤولون كانت تصرخ بأن هناك معوقات حقيقية متمثلة في وجود روتين حقيقي متمثل في تقيد كل جهة بالنظام؛ ف«المكافحة» تطلب رغم معرفتها بظروف الأم وحالة المريض، بخطاب مكتوب موضح فيه مكان المنزل ورقم الهاتف وكل المعلومات، وكأنه مريض جديد لم يمر عليها من قبل، والشرطة تحيلها وتقنعها بقضية عقوق مع حبس أيام عدة يخرج بعدها المريض أكثر كراهية لأمه، والمستشفيات المتخصصة تترك الموضوع برمته بيد مستقبل المريض لو اقتنع أدخلته، وإن لم يقتنع أخلت سبيله بكل بساطة، وإذا ذهب إلى «النفسية» رفضت دخوله؛ لأنه مدمن يجب أن يعالج من الحشيش أولاً، والمريض ووالدته هم الحلقة الأضعف في كل ما سبق. ألا نستطيع تكوين لجنة عمل حقيقية مهمتها استقبال البلاغ الأول ومتابعة الموضوع بشكل سريع وفعال ومتكامل؛ لجنة في إمكانها الانتقال إلى منزل صاحبة الشكوى للسماع لها والوقوف على الحالة، لجنة لها صلاحيات هدفها منع الخطر وتمكين المرضى من الاستفادة من الخدمات المتاحة بصورة مهنية متكاملة، لجنة تضع في عنقها أن النجاح هو المحافظة على حياة الآخرين ومساعدتهم؟! [email protected]