1 في المدينة المغربية الصغيرة (أصيلة)، الصغيرة مساحة... الكبيرة سياحة، يجتمع كل شيء: السماء الزرقاء والأرض الخضراء، البحر النائم والجبل القائم، الثقافة المغربية والتراث الأندلسي، بقايا الاستعمار الإسباني ومظاهر النفوذ الفرنسي. يتجاور الماء والإنسان، البحر والمحيط، طنجة وتطوان، بيت طارق بن زياد وضريح ابن بطوطة. حين تزور أصيلة، وما جاورها، تخضع لاختبار إجباري مفاجئ في حصيلة دراستك في المرحلة الابتدائية! هذه هي السنة الثالثة والثلاثون لمنتدى أصيلة الثقافي، وهذه هي المرة الأولى لي لزيارتها والمشاركة فيها. لم آتِ إليها متأخراََ، كما ظننت، بل جئتها في الوقت المناسب بعد أن تجاوزت سن الطفولة وقبل أن تبلغ الشيخوخة... ولا أظنها ستبلغها! جئت أصيلة في الوقت الأنسب، حيث الموضوع الفاخر: (انحسار دور النخب في حركات التحديث العربية)، وقائمة الضيوف الفاخرة: جمال الغيطاني، عبدالرحمن الربيعي، قاسم حداد، عبدالله ولد أباه، خالد الحروب، إنعام كجه جي، محيي الدين اللاذقاني، أحمد الزين، حسونة المصباحي، رشيد الخيون، وآخرون. وحيث تموج بالعالم العربي أحداث جسام تصنعها الجماهير وتفسرها نخب المؤتمرات والفضائيات... إن استطاعت إلى ذلك سبيلاََ! 2 محمد بن عيسى .. هو أمين عام منتدى أصيلة. لكن هل هذا التعريف الرسمي / الصحافي يكفي لوصف العلاقة الثنائية بينهما؟! بن عيسى هو الأمين وهو المأمون والمؤتمن على الثقافة الأصيلة. في أصيلة وفي المغرب عموماً، لا يعرفون محمد بن عيسى على أنه وزير الخارجية الأسبق أو وزير الثقافة الأسبق، بل هو محمد بن عيسى .. وكفى، وزير الخارجية والثقافة السابق واللاحق والدائم. فهو لا يخدم الديبلوماسية المغربية أو الثقافة العربية بوصفه سفيراََ أو وزيراََ يقبع على كرسي حكومي «متحرك»! بل بصفته الدائمة كديبلوماسي محنك ومثقف مستنير ونفّاذ، يذرع أزقّة أصيلة ليسلّم ويوجّه ويقول ويفعل ويحتفي ويعلّق، مع الضيوف والأهالي. هو ابن أصيلة البار، ولكن لفرط اهتمامه بها ورعايتها، أصبح هو الآن أيضاً أبوها الحنون... فهو الابن البار والأب الحنون لأصيلة. محمد بن عيسى من مواليد أصيلة... وأصيلة من مواليد محمد بن عيسى! 3 في الندوة الثقافية عن (انحسار دور النخب في حركات التحديث العربية) تطاير في القاعة الكثير من الأسئلة وتساقط الكثير من الأجوبة... لحسن الحظ. لم يُجب المنتدون عن أسباب انحسار دور النخب العربية، أو عن كيفية استعادة ثقلها في المجتمع وخصوصاََ في أزمنة التغيير، كالتي تمر بها المنطقة العربية الآن. أو عن دور النخب في إحداث التوازن الأخلاقي والقيمي للمجتمع عند التغيير. لم يُجب المنتدون عن كل هذه الأسئلة، على الأقل الإجابة الكافية، لسبب واحد: أنهم انشغلوا بسؤال مبدئي لكنه الأكثر تعقيداََ، هو: ما هي النخبة؟! في مقالة الأسبوع القادم بإذن الله، سنتناول بحديث غير نخبوي سؤال النخبة. هذه الندوة المصغرة التي عقدت في أصيلة الأسبوع الماضي، ستكون نواة لمؤتمر عربي كبير عن الموضوع نفسه، في منتدى أصيلة للعام القادم. أصيلة ما زالت تكبر... لكنها لا تشيخ! * كاتب سعودي [email protected] www.ziadaldrees.com