باستثناء بعض المحاولات الفردية والثنائية هنا وهناك، تنحصر موسيقى «الراب» الفلسطيني في لبنان اليوم بفرقة «الكتيبة 5»، بعدما توقف نشاط فرقة «آي ڤويس» (I-Voice). وكان وجود «الكتيبة 5» بدأ يتبلور في المخيمات من خلال اغانِ انتشرت مطلع 2003 كمعظم الفرق التي تحاكي في أغانيها معاناة اللاجئين في لبنان، بإعتبار ان العمل الموسيقي ينمو في بيئة مليئة بالآلام اليومية والمشاكل التي لا تعد ولا تحصى. ربيع صلاح ناشط فلسطيني ومتابع لاغاني الراب يقول: «استخدم الافارقة – الاميركيون الراب للتعبير عن الحرمان والقهر في مرحلة العبودية وخلال حركة المطالبة بحقوقهم المدنية، التي نجحت بتحقيق اهدافها بقيادة المناضل مارتن لوثر كينغ». ويضيف :«الراب في وسطنا الفلسطيني في لبنان ليس أقل من ذلك، لقد تأثر بالراب الأصلي بين أفارقة أميركا، ثم التحق بالراب الفلسطيني في أراض ال48 ليخاطب فئة معينة وفي أحيان كل الأجيال، ونجاحهم مرتبط بأسلوبهم الحيوي ولغتهم المحكية ومصطلحاتهم الشعبية، واصواتهم تعبّر عن غضب الناس وشجنهم ». ويكمل: «في رأيي، ليس من الانصاف ان نقوم تجربة من يؤدي هذا الأسلوب الغنائي الآن، ليس لأنهم معصومون عن الخطأ، بل لأن تجربتهم قيد التطور، وأي عملية نقد يجب ان تحدث بلغة ممارسيها ذاتها». عند حديثهم عن الوطن والانتماء يقول اعضاء الفرقة انهم يقعون بين «المنفى- أبو أياد» و»انت لا تستطيع- أحمد ياسين»»، اغنيتان تتحدثان عن قائدين فلسطينيين رحلا قبل الانقسام الفلسطيني، يعرضون فيهما اقوالاً وخطابات فيها مواقف وطنية مشتركة تدعو الى النضال والوحدة في مواجهة العدو الاسرائيلي، أي ان الفرقة تنتمي الى فلسطين بكل اطيافها وترفض كل اشكال الانقسام، كما تنبذ الفساد في المجتمع الفلسطيني، وتعبّر عن ذلك في اغانيها. لكن وكما الانقسام الفلسطيني, فإن الأراء حول جنود «الكتيبة 5» منقسمة بدورها وبعضهم من يكفرها. خالد (33 سنة) لاجىء فلسطيني في مخيم برج البراجنة يرى الموسيقى بشكل عام و«الراب» بشكل خاص «من اعمال الشيطان»، ويقول: «الموسيقى هي احدى ادوات الشيطان للايقاع بالبشر وصرفهم عن العبادة». ويخشى الأخير على المجتمع الفلسطيني من الأفكار الغربية التي «تتغلغل بالمجتمع كالسرطان»، وبالنسبة اليه فإن «أغاني الراب المنتشرة اليوم تعتبر نجاحاً للوبي الصهيوني والامبريالية العالمية في اختراق المجتمع الفلسطيني من خلال العولمة وثقافة الفايسبوك». في الطرف الآخر يرد «أسلوب» وهو اسم حركي، لمغني راب فلسطيني: «الذي يميّز اغانيهم وجود قضية اجتماعية انسانية مشتركة، قضية اللجوء والآلام التي يعيشها الشعب الفلسطيني بعد النكبة والاحتلال اضافة الى الحرمان من الحقوق الانسانية في لبنان طوال 63 سنة». ويتابع الشاب: «موسيقانا موجهة الى كل الناس بكل طوائفهم وتلاوينهم» داعياً الى الاستماع لهم قبل الحكم عليهم. أما أفراد الكتيبة فيجتمعون في قبوِ متواضعِ يحتوي على أغراضهم الخاصة، ومنها تلفاز صغير يتابعون عبره قنوات أخبارية محددة اضافة الى «الأستديو» الذين ينتجون فيه اعمالهم. أقامت الكتيبة حفلات في معظم المخيمات الفلسطينية، وتتحضر لأقامة حفلات في مخيمي عين الحلوة ونهر البارد بإعتبار ان لهذين المخيمن معنى خاصا، كما يقولون. عبد زعزع ناشط سياسي لبناني ومتابع لأغاني الراب، يقول: «الراب يستطيع ان يعبّر عن أي قضية، وهناك راب فلسطيني معروف في أميركا وذو توجه ديني إذ تحمل اغانيه القيم الاسلامية كأغنية «الفرات» مثلاً التي تتضمن كلماتها خطاباً ثورياً ينصف الدين الاسلامي ومبادئه ويفنّد تهم الارهاب». ويتابع: «لكل جيل ادواته واسلوبه والراب المنتشر اليوم يعطي زخماً لكل القضايا السياسية والاجتماعية, وذلك بأسلوب محكي وشعبي محبب يخلط بين التقاليد الفلسطينية والاغاني التراثية احياناً مستخدماً المزمار وهي آلة تعتبر جزءاً من الثقافة الوطنية الفلسطينية، مثل الراب اللبناني أيضاً الذي يخلط بين العتابا والراب». ويرفض افراد الكتيبة ان تناديهم بأسمائهم الحقيقية مرددين مع السيدة فيروز «غيروا أساميكن اذا فيكن»، فهم يعتبرون ان الاسم في الغالب يدل على الطائفة أو المذهب وهذا من الممكن ان يسيء الى علاقتهم بالناس. «اسلوب»، «مولتوف»، «جزار»، «شاهد عيان» و«عبد الجبار» وغيرها اسماء حركية لشباب اختاروا ان يفرغوا مشاعرهم وآلام شعبهم بفنٍ يعتبرونه خلاصاً، ويعتبره آخرون ضرباً من الجنون.