سُئل المغني الأميركي الأسود مايكل جاكسون في حديث صحافي إن كان قد أجرى جراحة تجميلية لأنفه، وهو سؤال لئيم لأن أنفه أكبر دليل على تدخل مبضع الجراح التجميلي، ولكنه أجاب بأن المغني الوسيم الفيس بريسلي خضع هو الآخر لجراحة تجميلية في أنفه، ثم طلب ألا يسأل ثانية مثل هذا النوع من الأسئلة، ليأتي لاحقاً في عام 1994مذيع إحدى محطات إذاعة الإف إم فيعلق بقوله: «إن جزءاً من الجمهور في ما يبدو لم يعد معجباً بمايكل جاكسون، فهو متراوح بين البياض والسواد، ليس ذكراً ولا أنثى، وليس طفلاً ولا بالغاً»، فهو بحسب رأي الكاتبة اللبنانية «منى فياض» في كتابها «فخ الجسد»: «كائن متغير، مقلق ومحير، يثير قلق الآخر لأنه مختلف عن الأسود الذي كانه وعن الأبيض الذي لم يصبحه... إنها أزمة هوية عميقة، لجأ معها مايكل جاكسون إلى تقنية الجراحة البلاستيكية مستخدماً ثروته كي يصبح شيئاً آخر، ذلك أن إعجابه المطلق بذاته بلغ حدوداً رفضها، فأعاد صياغتها بما يتلاءم مع صورة جماعية يتمثل بها تفرض نفسها عليه، وهي الأقوى، فالعنصرية قد سببت له وجهاً من وجوه المرض النفسي تعرى معه جانباً آخر لهذه العنصرية لا يتطابق تماماً مع حب الذات، فجعلته لا يحترم حدود الأنا كما هي، بل يعارضها، ما يعني أن حب الذات الفائض إنما هو محدد نرجسي، أي أنه مع كونه تأكيداً للذات، هو هدم لها في نفس الوقت». كلمة أخيرة: في تتبع لمعايير الجمال عبر الحضارة الإسلامية نجد أن التفضيل قد تخلى عن النساء الممتلئات لمصلحة النساء الرشيقات، فتحول الذوق عن البطون متعددة الثنيات لمصلحة البطون المشدودة والملساء، حتى تم تمجيد القامة النحيلة ومشيتها المستقيمة بدلاً من تلك المتثاقلة صاحبة الوزن التي تغنى بها الأعشى في محبوبته هريرة، كما سقط تشبيه المرأة بالبقرة والغزالة، وفي ذلك يتساءل الجاحظ مستغرباً: «أليست العين الإنسانية أجمل من عين غزال أو بقرة... ألا يوجد فرق جذري بينهما!»، وهو شاغل لم يكن بعيداً عن اهتمام الإنسان الأول، فهذه أسطورة غلغامش الذي حصل على القوة والجمال والسلطة وأراد اكتساب الشباب الدائم من أجل الخلود، فما الذي يجعل الإنسان يقبل ذاته أو يرفضها! ما الذي تعكسه له مرآته! نفسه التي عرفها!... التي تمنى أن يكونها!... التي يراها الآخر!... التي يحب بعض أجزائها ويكره الباقي! من نحن وأي صورة جسد ترضينا! فالجمال ظاهرة اجتماعية ثقافية وصورتنا الخاصة عن جسدنا وعن أجساد الآخرين هي أيضاً ظواهر اجتماعية، وصورتنا عن جسدنا مستحيلة من دون امتلاكنا صورة عن جسد الآخر، فصورة جاكسون المشتت عن ذاته لم تكن سوى انعكاس لرؤية الآخر له، والسؤال: هل المرأة محبوبة لأنها جميلة، أم هي جميلة لأنها محبوبة! إنها تركض طول الوقت تبحث عن الإجابة الصعبة. وقالوا: «أفضل قسمات الجمال قسمة تعجز الصورة عن التعبير عنها» فرنسيس بيكون. [email protected]