خطت حركة «حماس» خطوة أخرى في اتجاه الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته والمجتمع الدولي من خلال تلميحها إلى نيتها الموافقة على أي مشروع للسلام يضمن قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزةوالقدسالشرقية. وقال رئيس الحكومة المُقالة إسماعيل هنية خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر الذي زار غزة أمس: «في حال وجود مشروع حقيقي لحل يستند إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، فإننا سندفع في اتجاه إقامة الدولة المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، تتمتع بسيادة وحقوق كاملة». ورأى هنية أن «زيارة كارتر إلى غزة تأتي بعد التغيير الحاصل في الإدارة الأميركية». وقال: «تابعنا باهتمام التغيير وخطاب الرئيس أوباما في جامعة القاهرة، ووجدنا لهجة ولغة وروحاً جديدة تسري في الخطاب الرسمي الأميركي». وعن صفقة تبادل الأسرى، قال: «استمعنا من كارتر لموضوع الأسرى وقضية (الجندي الإسرائيلي الأسير في غزة غلعاد) شاليت، وتم بحث ذلك خلال لقائه بوفد قيادي يمثل حركة حماس، ونحن في الحكومة نشجع على التفاوض من أجل الوصول إلى صفقة مشرفة، ونرحب بكل الجهود التي تُبذل في هذا الاتجاه، بما فيها الجهود التي يقوم بها الرئيس كارتر». وأشار هنية إلى أنه شرح لكارتر المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة نتيجة الحصار والحرب الأخيرة. وقال: «عبّرنا لكارتر عن تقديرنا لمواقفه من الحصار والعدوان وموقفه الثابت من الانتخابات (التشريعية العام 2006) التي أشرف عليها (وفازت فيها حماس بالغالبية النيابية)، واعتباره لشرعية الحكومة وفقاً لنتائج الانتخابات». من جهته، دعا كارتر إلى اقامة دولة فلسطينية إلى جانب اسرائيل، وتقسيم مدينة القدسالمحتلة بين إسرائيل والفلسطينيين، وضرورة رفع الحصار. وعبّر عن شعوره ب «الحزن واليأس والغضب عندما رأيت الدمار الذي حل بالأبرياء، وأعرف أن التدمير الإسرائيلي لمنازل ومرافق ومصانع قطاع غزة جاء بسلاح أميركي، وهذه ليست أحداثاً عرضية، لكنني آمل أن لا تتكرر». وقال: «التقيت ممثلين عن حركتي فتح وحماس، وأتمنى في الوقت القريب أن تتمكن القوى الفلسطينية من التوصل إلى اتفاق واتحاد، وأن تعيش بسلام، وأتمنى إطلاق سراح السجناء في كل من غزة ورام الله». ولفت إلى أنه سيرفع تقريراً إلى أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون وموفدهما إلى المنطقة جورج ميتشل عن زيارته إلى المنطقة ونتائجها. وكشف المستشار السياسي لرئيس الحكومة المقالة الدكتور يوسف رزقة ل «الحياة» أن كارتر نقل رسالة من أوباما إلى «حماس»، وأخرى من الحركة إلى أوباما. وقال إن كارتر وعد هنية وقادة «حماس» الذين التقاهم في غزة أمس ب «إذابة الجليد الذي يحجز الحوار المباشر بين الإدارة الأميركية وحماس». واشار إلى إن كارتر «نقل رسالة شفوية من أوباما إلى الحكومة والحركة، مفادها أن لديه الاستعداد أن يكون لاعباً جيداً في القضية الفلسطينية وفقاً لخطابه الذي ألقاه في القاهرة»، كما «تضمنت أيضاً أن موقف أوباما يختلف عن مواقف الرؤساء والإدارات السابقة». وأوضح أن كارتر «عرض على حماس رؤية سياسية تساعده في إذابة الجليد مع الادارة الأميركية، وهو يريد رؤية من الحركة تلبي مواقفها وتستجيب لشروط الرباعية الدولية في آن». ولفت رزقة الى أن الرسالة الشفوية التي حملتها «حماس» لكارتر لنقلها إلى أوباما، مفادها أنه «لا بدّ من إنصاف الشعب الفلسطيني، وأن الظلم الواقع عليه كبير جداً، وأن الحصار خانق». ولفت إلى أن الرئيس السابق نقل «رسالة شفوية إنسانية من والدي شاليت إلى قادة حماس»، نافياً أن يكون حمل رسالة من شاليت إلى والديه. وكان كارتر دعا «حماس» إلى تلبية شروط اللجنة الرباعية الدولية والاعتراف بإسرائيل والاتفاقات الموقعة معها ونبذ العنف، متهماً الدولة العبرية بالتعامل مع الفلسطينيين «كالحيوانات، وليس مثل بني البشر»، واصفاً الوضع في غزة بأنه «مرّوع». وقال مخاطباً الغزيين في احتفال أقامته وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» في مدينة غزة أمس، إن «المسؤولية عن الجريمة الكبرى المرتكبة ضد حقوق الإنسان تقع في القدس، والقاهرة، وواشنطن، وفي أنحاء المجتمع الدولي. يجب وقف هذا الظلم، يجب هدم الجدران، ويجب استعادة الحق الأساسي في الحرية لكم». وعقد كارتر فور وصوله إلى القطاع عبر معبر «إيرز» الحدودي مع إسرائيل، مؤتمراً صحافياً أمام مقر المدرسة الأميركية التي دمرتها قوات الاحتلال خلال الحرب الأخيرة على غزة، حض خلاله الفلسطينيين على الوحدة. وقال: «إنني متأثر جداً، ولا بد من أن أحبس دموعي حين أنظر إلى الدمار الذي أصاب شعبكم... أتيت لزيارة المدرسة الأميركية التي كان يتعلم فيها أولادكم. بلادي هي التي أقامت هذه المدرسة، وها أنا أشاهد أنه تم تدميرها عمداً بالقنابل التي ألقتها طائرات إف 16، وهي من صنع بلادي. أشعر بتحمل جزء من المسؤولية، ويجب على جميع الأميركيين والإسرائيليين أن يشعروا بالشعور نفسه». ورأى أن «الطريق لإعادة البناء وإنهاء المعاناة، ونشر السلام يمر بالوحدة الفلسطينية - الفلسطينية». وأعرب عن أمله في أن «يصل الجميع الى سلام عادل وشامل لإنهاء دوامة العنف، وأن يتم وضع حد لمعاناة الفلسطينيين». وعبّر عن عن حزنه إزاء الصراع الدائر بين «حماس» و «فتح»، قائلاً: «نشعر بالآسى عندما نسمع أن الإخوة الفلسطينيين يتقاتلون ويعتقلون بعضهم بعضاً في غزة والضفة». وفي حفل الاستقبال الذي أقامته «أونروا» له، دعا كارتر «حماس» إلى «وضع حد للعنف، واحترام الاتفاقات الموقعة، والاعتراف بحق اسرائيل في الوجود، ووقف إطلاق الصواريخ». وقال: «هذه شروطنا لحماس وأنا قلتها لهم في لقائي مع قيادتهم الاسبوع الماضي في دمشق، وسأقولها في لقاء الليلة (أمس)، و (رئيس المكتب السياسي ل «حماس») خالد مشعل أكد لي شخصياً أن حماس تريد المساهمة في إحلال السلام وبناء الدولة الفلسطينية». وأضاف: «تحدث أوباما عن رؤية إدارته لحل الصراع، وهي العمل على بناء دولتين، وأنا أؤكد على هذا الحل على أساس سلام دائم لهذه المنطقة بأسرها». وشدد على «ضرورة بناء دولة فلسطينية متعددة وديموقراطية تجمع بين الشرق والغرب، وأن يتم تقاسم القدس بين الجميع، أو كما قال (أوباما) بين اليهود والمسلمين والمسيحيين». ودعا إلى «إجراء الانتخابات التشريعية للسلطة الفلسطينية في موعدها المحدد في الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) المقبل، واحترام نتائج الديموقراطية». والتقى كارتر في أعقاب الاحتفال وفداً من المجلس التشريعي ونواب حركة «حماس» برئاسة رئيس المجلس بالإنابة الدكتور أحمد بحر ونواب حركة «فتح». وعقد لقاء مع وفد من الحكومة المقالة برئاسة هنية، قبل أن يلتقي عدداً من ذوي الأسرى والمعتقلين وأهالي شهداء الحرب الأخيرة للاستماع إلى معاناتهم ومعاناة أبنائهم في سجون الاحتلال.