يخوض أطباء حرباً ضروساً مع الشركات التي تروج للحليب الاصطناعي، لا تختلف كثيراً عن تلك الحرب الدائرة بينهم وبين شركات التبغ، ويتهمون أطرافاً عدة بالاشتراك مباشرة أو بشكل غير مباشر في مساعدة هذه الشركات على ترويج الحليب المُصنع. بل يذهبون إلى أبعد من ذلك حين يضعون الأمهات في صدارة «المتواطئين» مع الشركات، «فلا أم عاقلة تخاف على صحة طفلها ونفسها، تختار الرضاعة الاصطناعية برضاها، بل في معظم الحالات تكون الرضاعة الاصطناعية نتيجة عدم التوجيه الصحيح من الصحّيين، أو قوة إقناع شركات الحليب الصناعي»، هذا ما يؤمنون به على الأقل. وهو ما دفع استشاري الرضاعة الطبيعية والعناية المركزة للأطفال الخدج الدكتور همام قنديل إلى توجيه اللوم لأمهات: «لا يوجد أي عذر للأم لتترك الرضاعة الطبيعية، حتى لو كانت إمرأة عاملة، فبعض الطبيبات يعملن أكثر من 12 ساعة، ويناوبن كل أربعة أيام في المستشفى، ولكنهنّ نجحن من خلال التوجيهات السليمة، في إرضاع أطفالهن ستة أشهر، أو حولين كاملين»، مشدداً على أنه «لا يزال هناك ضعف في مساندة الأم المرضعة العاملة، من ناحية توفير الوقت والمكان المناسبين لإتمام الرضاعة الطبيعية»، داعياً المسؤولين إلى «المسارعة في إتباع النصائح العالمية، لمساندة الأم وطفلها، من أجل إتمام الرضاعة الطبيعية». وطالب بمساندة حقيقية من المؤسسات الدينية ورجال الدين المؤثرين اجتماعياً في مشروع تعميم الرضاعة الطبيعية في المملكة، وذكّر بأن الخطب والتوجيهات والفتاوى الدينية، يمكن أن تؤثر في شكل إيجابي في تحقيق حلم تبني الرضاعة الطبيعية في مجتمعنا، خصوصاً أن الرضاعة الطبيعية توجيه إسلامي مذكور في القرآن الكريم. وكشف قنديل عن «حرب ضروس يخوضها الأطباء ضد شركات الحليب الاصطناعي»، مستدركاً أن «الغلبة تكون في النهاية لهذه الشركات، التي توفر منتجاتها في أي مكان»، مبيناً أن هذه الشركات «نجحت من خلال إعلاناتها المكثفة، في إقناع المجتمع بأن الحليب الاصطناعي مفيد وغير ضار، وإدّعاء أنه يزيد من الذكاء، ويقلّل من حساسية الأطفال، بينما هو في واقع الأمر خلاف ذلك، وهذا ما أثبتته منظمة الصحة العالمية». ويطالب الأطباء بتطبيق إجراءات صارمة ضدّ الشركات، ودعم النشاطات المشجّعة على الرضاعة الطبيعية، ويرون أن دور الإعلام ضعيف جداً، «فهو لا يتبع قوانين منظمة الصحة العالمية، التي تحذر من الترويج أو الإعلان عن الحليب الاصطناعي»، على ما يقول احد الأطباء. والأمر ذاته ينطبق على السجائر، إلا أنها يتم التحذير منها في نهاية الإعلان، بأنها تؤدي إلى السرطان، «بينما لا يختم الإعلان عن الحليب بأنه يؤثر على صحة الطفل وذكائه، وهذه مفارقة عجيبة»، يضيف الطبيب نفسه. وينتقد الأطباء وجود عبارات «غريبة» في بعض الكتب الدراسية، لا تشجع على الرضاعة الطبيعية، مثل أن «أفضل حليب للطفل هو حليب البقر»، وهي عبارة - بحسب الدكتور قنديل - يجب ألاّ يكون محلّها المقرر الدراسي «إذ أثبتت الدراسات أن الطفل من سن العاشرة، يمكن أن يتعلم فوائد الرضاعة الطبيعية ويفهمها، حتى يمكننا أن ننشئ جيلاً مسانداً للرضاعة، ومشجعاً عليها، مطالباً بأن تكون البداية من المرحلة الابتدائية».