ليس غريباً أن تدفع موجات التخلف أشخاصاً عاديين إلى الصفوف الأولى ومراكز القرار. هذه العبارة سمعتها من صديقي طبيب العيون قبل عقود. لم يردد صديقي هذه الكلمات عندما كنا أمام التلفاز نشاهد لقاء مع احد الكتاب الذي يحسب لقلمه ألف حساب، وصل إلى مكانته المرموقة بفضل أدائه التسلقي المميز. كلا ولم نكن جالسين نشاهد برنامجاً خاصاً عن سيرة حياة إحداهن أصبحت بين ليلة وضحاها سيدة مجتمع يشار إليها بالبنان. أبداً لم تكن هذه العبارة ختاماً لنقاش دار بيننا حول تكافؤ الفرص في بلاد العجائب. الحقيقة أن طبيب العيون ختم بهذه العبارة كلامه عندما أخبرني أن رجلاً في أواسط الثلاثين يلبس بزة سوداء وربطة عنق مزركشة، اقتحم عليه العيادة وفور جلوسه على الكرسي في غرفة المعاينة طلب مبلغاً من المال كسداد لقيمة اشتراك سنوي لمجلة فنية سياسية اقتصادية قومية تقدمية سياحية...شاملة يصدرها فلان الفلاني. سألت الطبيب بقلق عن رد فعله على طلب الرجل وأنا اعلم الوزن الثقيل لفلان الفلاني في ذلك الوقت فكان جوابه انه رفض الاشتراك وبرر ذلك بأن لا قانون يجبره على دفع اشتراك بمجلة كائناً من كان من يصدرها. لن أطيل، ولن أسرد التهديد والوعيد اللذين تلقاهما طبيب العيون من الرجل ذي ربطة العنق المزركشة بسبب رفضه الدفع ولا المضايقات التي تعرض لها الطبيب من أزلام فلان الفلاني في ما بعد واستمرت لفترة طويلة. ولن أذكر كيف كانت تباع هذه المجلة (الشاملة) بطريقة الاشتراك الإجباري. ففلان الفلاني أصبح في أوروبا بعد تغيرات عصفت بأمثاله من أصحاب الوزن الثقيل وطبيب العيون أصبح في ذمة الله. لكني تذكرت الحادثة وعبارة طبيب العيون عندما شاهدت فلان الفلاني يطل على إحدى المحطات الفضائية في احد البرامج الحوارية، كان فلان الفلاني يجيب على أسئلة محاوره (الأنيق صاحب الطلة البهية) بثقة ويطرح نفسه زعيماً للمعارضة ونصيراً لحقوق الشعب بل ومحركاً للشارع وعندما سأله مقدم البرنامج عن محاولاته الإصلاحية حين كان في مركز صناعة القرار أجاب : أصدرت مجلة توجهها إصلاحي في محاولة لكشف الأخطاء والرقابة على عمل مؤسسات الدولة الحقيقة أنها لاقت قبولاً وشعبية عالية بين مختلف فئات المواطنين كنت أحاول أن أؤسس تياراً إصلاحياً لكن أجهضت المحاولة وأبعدت قسراً عن البلاد. ماذا أقول غير (كان الله في العون).