لتاريخ جامعة الإسكندرية مذاق خاص وعبق مميز، لأن تلك الجامعة ليست كغيرها من الجامعات الأخرى، وإنما هي جامعة تضرب بجذورها في أعماق ماض عريق يرجع الى القرن 3 ق.م. فقد عرفت مدينة الإسكندرية أولى جامعات الدنيا، كما تمثلت فى جامعتها القديمة أو إن شئت الدقة، في مكتبتها الشهيرة التى لم تكن مجرد مكتبة تضم آلاف الوثائق والمخطوطات، وإنما كانت مجمعاً علمياً ضخماً هو مجمع « الموسيون» الذي ضم نخبة متميزة من العلماء أمثال إقليدس وأرخميدس وفيلون وأفلوطين، ومن هذا المجمع العلمي أيضاً خرجت أول ترجمة للعهد القديم هي الترجمة السبعينية، ولذا كانت مهمة كتابة تاريخ جامعة الإسكندرية فى ال75 عاماً الماضية مهمة غير سهلة تصدّى لها رئيس الجامعة عصام الكردي، الذي أناط للعالم المتميز الدكتور فتحي أبو عيانة ولجنته الممثلة ل23 كلية ومعهداً، أن يقوموا بهذا العمل ولمدة تزيد عن العام أخرجت لجنة كتابة تاريخ الجامعة أربعة مجلدات تختص بهذه المناسبة . كان العمل الرئيسي بعنوان «جامعة الإسكندرية في 75 عاماً». ففي الوقت الذي كانت أعداد الطلاب تزداد كثافة في مدرجات الجامعة في القاهرة، كان أبناء الإسكندرية يبحثون عن نصيبهم في التعليم الجامعي من دون مشقة السفر أو عناء الاغتراب. وبذل العميد طه حسين مجهودات فائقة، فكان من اليسير أن يوافق مجلس جامعة فؤاد الأول فى جلستيه بتاريخ 24 و31 أيار( مايو) 1938 على إنشاء فرعين لكلية الآداب والحقوق في الإسكندرية، وبدأت الدراسة في كلية الآداب بالإسكندرية في العام الجامعي 38\1939، واتخذت مقراً لها فى مبنى ولهلم شترواس، وهو المبنى نفسه الذي أصبح مقراً لإدارة الجامعة اعتباراً من 42 وحتى عام 1958. وبالنسبة الى كلية الحقوق، فقد بدأت في قصر بباكوس الى أن نقلت وكلية الآداب الى مدرسة العباسية الثانوية فى عام افتتاح الجامعة (1942)، وهو المبنى الذي ضم كذلك كلية العلوم والتجارة. وأثناء الحرب (1940)، تقدم بعض الطلبة في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة بطلب الى عميد كليتهم يشكون فيه من صعوبة المعيشة فى الجيزةوالقاهرة ويرجون منه النظر فى إنشاء فرع لكليتهم بالإسكندرية أسوة بالآداب والحقوق، وبالفعل تم الانتقال الى إحدى المدارس الصناعية بالإسكندرية، ثم توالى إنشاء باقي الكليات (7 كليات هي الآداب والحقوق والهندسة والزراعة والتجارة والطب) وبلغ عدد طلاب الجامعة في سنتها الأولى 1171 طالباً، منهم 38 طالبة. أما أعضاء التدريس، فبلغ عددهم 134 عضواً والعاملين 91. وعلى رغم الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي نشأت فى ظلها جامعة فاروق الأول (الإسكندرية) وعدم وجود مبان خاصة بها لسنوات عدة، فقد استطاعت من الناحية الأكاديمية أن تواصل نموها الطبيعي، إذ شهدت السنوات من عام 1945 الى 1971 نمو الجامعة وتطوّرها بشكل ملحوظ. فأنشئت كلية الطب عام 1942 في المستشفى الأميري، وأنتجت كليتين هما الصيدلة وطب الأسنان. الأولى أصبحت كلية قائمة بذاتها عام 1957، كما انتقل معهد البحوث الطبية من وزارة البحث العلمي الى جامعة الإسكندرية 1971، وواصلت الجامعة نموها الأكاديمي، فأنشئت كلية المعلمين (التربية) عام 1966، وفي عام 1972 أنشئ معهد الدراسات العليا والبحوث بغرض التوسع في الدراسات العليا والبحوث والتدريب. وتوالى إنشاء باقي الكليات والمعاهد ال23. تحملت الجامعة مسؤولية توسيع دائرة انتشار التعليم الجامعي أفقياً في محافظتي الغربية وكفر الشيخ، كما أن أنشئ للجامعة فرع في مرسى مطروح، وفي أواخر العقد الثامن من القرن الماضي تحملت الجامعة مسؤولية الكليات والمعاهد التابعة لجامعة حلوان بالإسكندرية، وظلت الجامعة تحمل اسم «جامعة فاروق الأول» لمدة عشر سنوات. وبعد قيام ثورة 23 تموز (يوليو)، أصدر مجلس الوصاية على العرش مرسوماً بتغيير اسم الجامعة الى «جامعة الإسكندرية»، التي كان لها دور كبير ومؤثر في إنشاء «جامعة بيروت العربية» عام 1960، عندما استقبل الرئيس جمال عبدالناصر وفداً من جمعية البر والإحسان البيروتية التي تُعنى بالتعليم عموماً، وصدف أن تعثرت مالياً عند إنشاء إحدى مدارسها الثانوية، وطلب من مصر دعم المشروع، فكان أن قررت مصر تحويل المشروع من مجرد مدرسة ثانوية الى جامعة عربية لأبناء لبنان والبلاد العربية. وفي سبيل تحقيق رسالتها العلمية، ارتبطت جامعة بيروت مع جامعة الاسكندرية برابطة أكاديمية علمية حددها النظام الأساسي للجامعة. وهكذا، فلجامعة بيروت شخصية اعتبارية مستقلة وميزانية مستقلة، وكلياتها وفق الترتيب التاريخي هي: الآداب، الحقوق، التجارة، الهندسة المعمارية، الهندسة، العلوم، الصيدلة. وظلت الجامعة على علاقاتها الوثيقة بجامعة الإسكندرية حتى كان الانفصال بينهما لظروف يطول شرحها، ولا تنسى جامعة الإسكندرية أنها كانت صاحبة اليد الطولى والفضل من خلال إدارتها المتعاقبة وأساتذتها (مصطفى العبادي) فى إنشاء مكتبة الإسكندرية الحالية . كما كان للجامعة منذ نشأتها توجّه نحو عالم البحر المتوسط، وعلى مدار تاريخها أكدت دورها الأصيل في هذا المجال بأكثر من صورة، عبر عقدها العديد من اتفاقات التعاون الأكاديمي بينها وبين الجامعات الأخرى المنتمية الى دول المتوسط، منها اتفاقات مع الجامعة اللبنانية وجامعة القديس يوسف وجامعة سرت وجامعات إيطالية منها: Messina؛Palermo ؛Catania وجامعات يونانية منها: Patrad، وجامعات إسبانية Catalunya؛Granda؛Murcia وجامعات فرنسية منها: غرينوبل وليموج وغيرها من الجامعات المتوسطية. وفي الجامعة مراكز ومعاهد ذات توجهات متوسطية منها: معهد دراسات البحر المتوسط، ومركز الإسكندرية للدراسات الهلنيستية، ومركز الإسكندرية للآثار البحرية والتراث الثقافي، وبرنامج اللغات التطبيقية ودرجة الماجستير المصري – الأوروبي في اللغة والثقافة الإسبانيتين، وجميعها تنتمي الى كلية الآداب بالجامعة، أما دور جامعة الإسكندرية في أفريقيا، فهو قديم منذ أن كانت فكرة وتحولت الى تطبيق عملي، عندما قام الأستاذ الدكتور مرسي عرب من كلية الطب، بإيفاد بعثة من أساتذة الكلية المتخصصين في فروع الطب الدقيقة الى مجموعة من دول أفريقيا. وكانت أول بعثة مكونة من 8 أساتذة زارت 6 دول من شرق أفريقيا، هي: السودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا والصومال، وتحملت الدولة المصرية والجامعة النفقات كافة. وتوالت الرحلات عام 1974 إلى السنغال وغانا ونيجيريا والكونغو وأوغندا والسودان، ورحلة ثالثة عام 1983 إلى الغابون والكونغو الشعبية وبوروندي ورواندا وكينيا. ومنذ عام 2011، نشطت كلية الزراعة على المستوى الأفريقي، فأقامت فرعين للكلية في مدينة أنجامينا بتشاد والأخرى في ولاية تونغ بجنوب السودان، إضافة الى الطلاب الأفارقة الدارسين في الكلية بالإسكندرية والمتخرجين من 24 دولة أفريقية في الفترة من 1980 - 2016. وأقامت الجامعة احتفالية كبرى كرمت فيها رموزها وروادها وطلابها وإدارييها المتميزين، وأطلقت أولى إصداراتها لمناسبة العيد الماسي، برعاية رئيسها الأستاذ الدكتور عصام الكردي، ورئيس لجنة تاريخ الجامعة الدكتور فتحي أبو عيانة، وشاركهما فريق متميز من الكفاءات النادرة.