إذا كان وجه هيلين، ملكة طروادة، جعل ألف سفينة تمخر عباب البحر فإن خطاب باراك أوباما في مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي جعل ألف تعليق تمخر غياهب الميديا وتلف العالم. وتوقفت أمام تعليق كتبه وليام دوبسون ونشرته «واشنطن بوست» وكان عنوانه «كلمتان لم يذكرهما أوباما»، وكان يشير الى «العربية السعودية» لأن كلمة «المملكة» لا تظهر في الاستعمال باللغة الانكليزية للاسم الرسمي. الكاتب ليس ليكودياً متطرفاً، وقد قرأت له في السابق، ووجدته معقولاً أحياناًَ وجاهلاً ببلادنا مرة أخرى، وهو في مقاله الأخير يحتج ان الرئيس أوباما أهمل ذكر السعودية في خطاب من 5600 كلمة، ويقول في فقرة أترجمها كلها: الأمر ليس فقط ان في المملكة العربية السعودية النظام القمعي نفسه الذي ينتقده أوباما علناً. في موسم الثورة السعوديون أرسلوا قواتهم الأمنية الى البحرين للمساعدة على قمع المحتجين، أي المشاركة في وسائل القمع لتحقيق استقرار البحرين، أو البلد نفسه الذي وجّه اليه أوباما رسالة توبيخ صارخة. وهكذا فالبحرين لا يجوز لها ممارسة «اعتقالات جماعية وقوة عنيفة» غير ان السعوديين الذين علّموها كيف تفعل لا ذكر لهم. هذه السطور ليست للدفاع عن السعودية أبداً، وإنما لتصحيح بعض الأخطاء الفاضحة التي كنت سأراها متعمدة لو ان للكاتب سمعة غيره. أولاً، النظام السعودي ليس ديموقراطية أثينية لذلك يصعب على «الخواجات» قبوله أو فهمه. هو نظام أساسه القرآن والسنّة، ولو أُجري أي استفتاء في السعودية لاختارت غالبية مطلقة النظام الذي نعرف. ثم ان الملك عبدالله بن عبدالعزيز يتمتع بشعبية عالية بين السعوديين، ولا أعتقد أن سبب ذلك القمع بل جهده الإصلاحي. ثانياً، السعوديون لم يرسلوا قوات أمنية وإنما أرسلوا قوات نظامية ضمن معاهدة معروفة وقديمة هي درع الجزيرة التي تضم دول مجلس التعاون الست. ثالثاً، القوات السعودية لم تذهب لقمع المحتجين وإنما للدفاع عن دولة حليفة في وجه انقلابيين جعلوا الإصلاح ستاراً لتنفيذ مخططهم، وقد سمعتهم بأذنيَّ في ميدان اللؤلؤة يهتفون لإسقاط النظام، وهو ما صرح به أحد زعمائهم حسن المشيمع علناً. رابعاً، وعطفاً على كل ما سبق الحكومة السعودية لا تمارس قمعاً، وهي لو فعلت لكنا رأينا ثورة غضب في شوارع الرياضوجدة كما رأينا في مدن عربية أخرى. ومرة أخرى، لا أدافع عن السعودية وثمة ألف طريقة لإصلاح نظامها الأمني، وللتجاوب مع طلبات الإصلاح المحقة (وقد قلت دائماً ان للمتظاهرين في البحرين طلبات محقة واعترضت فقط على محاولة الانقلاب). شخصياً، أفضل ديموقراطية من نوع غربي على كل نظام آخر، إلا انني لا أتحدث هنا عما أفضل، وإنما عما يفضل السعوديون، وثمة غالبية منهم قانعة بنظام الحكم الحالي، والمعارضة الخارجية إما انتهازية أو تريد نظاماً دينياً متشدّداً. ربما ما كنت علقت على مقال وليام دوبسون لولا انني قرأته على خلفية ضجة مستمرة موضوعها اعتقال الشابة السعودية منال الشريف و «التهمة» قيادة سيارة. لا أجد قيادة امرأة سعودية سيارتها «تهمة» بل حق لها، وثمة حقوق كثيرة للمرأة في السعودية وكل بلد عربي نريد أن نراها تمارسها، وشخصياً أجد ان حقوق المرأة العربية منقوصة، وقد سجلت ذلك في هذه الزاوية في كل موضوع ذي علاقة. بما انني أقرأ فيما غيري يقمع النساء، أو يحاول، فإنني أجد ان هناك خبراً أو أخباراً عن المملكة العربية السعودية كل يوم، وبدل أن يهتم الناس بالأهم نجدهم ولا هم لهم سوى قيادة النساء السيارات. لو زارني هؤلاء في مكتبي لعرضت عليهم قضايا يجب أن يتصدوا لها دفاعاً عن بلدهم، ومعلومات خاطئة وكذباً متعمداً. أكتب وأمامي رسم كاريكاتوري بمعنى مقال دوبسون نشرته «كريستيان ساينس مونيتور»، وهي جريدة معتدلة، يبدو فيه أوباما وهو يخطب ويقول: إننا نؤيد شعوب ليبيا وسورية وتونس ومصر والبحرين واليمن وهي تثور على حكامها القمعيين. وإلى جانب الرئيس في الغرفة فيل ضخم مكتوب عليه السعودية أكبر منتج للنفط وتحت أحد أقدامه رجل يصرخ. هم لا يريدون ان يصدقوا ان ملك السعودية يتمتع بشعبية عالية، وأن غياب التظاهرات من أي حجم يذكر دليل على ان المطالب محدودة. ثم ان الحكومة السعودية أكثر ليبرالية من الشعب المحافظ وتقوم بإصلاحات يعارضها كثيرون وليس ان الشعب يطلب إصلاحاً ترفضه الحكومة. [email protected]