دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم (الاثنين)، خلال زيارته مدينة شيان شمال الصين، إلى مشاركة أوروبية في مشروع «طريق الحرير الجديدة» الصيني الضخم، مبديا دعمه للمشروه ومؤكداً أنه يجب أن لا يكون «اتجاهاً واحداً». وقال ماكرون أمام أكاديميين وطلبة ورجال أعمال في مدينة شيان، وهي نقطة البداية الشرقية لطريق الحرير القديم: «طرق الحرير القديمة لم تكن صينية فقط. تلك الطرق بتعريفها ينبغي أن تقوم على المشاركة. إذا كانت طرقاً فلا يمكن أن تكون في اتجاه واحد». وخصص ماكرون، الذي وصل في الساعة 08:30 ( 00:30 بتوقيت غرينيتش)، المحطة الاولى من زيارته عدد من المواقع الرمزية على طول هذه الطريق التجارية التي ربطت الصين بأوروبا على مدى قرون. واقترح الرئيس الفرنسي على الصين «إعادة إطلاق معركة المناخ»، تعهد في خطاب بزيارة الصين «مرة في السنة على الأقل»، معتبرا أن هذا «الشرط حتى تدخل علاقتنا حقبة جديدة». ويرافق ماكرون وفد يضم أكثر من 50 رئيس شركة، بينها «أكور-أوتيل»، و«ال في ام اش» و«ارباص» و«أريفا» و«سافران» و«بي إن بي باريبا». ومن شأن هذا القرار أن يثير ارتياح القادة الصينيين لانسجامه مع مبادرة «الحزام والطريق»، بحسب ما يعرف في الصين مشروع البنى التحتية الهائل، الذي باشره الرئيس شي جينبينغ العام 2013، ويهدف إلى احياء طريق الحرير القديم الذي كانت تنقل عبره منتجات من الامبراطورية الى اوروبا. وتقضي المبادرة البالغة قيمتها ألف بليون دولار، بإقامة حزام بري من سكك الحديد، والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحرية تسمح للصين بالوصول إلى أفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي. ويتضمن المشروع، الذي أبدى ماكرون دعماً كبيراً له، بناء طرق ومرافئ وسكك حديد ومناطق صناعية في 65 بلداً، تمثل 60 في المئة من سكان العالم، وحوالى ثلث إجمالي الناتج العالمي. ودعا ماكرون الأوروبيين إلى المشاركة فيه بشكل تام. وقال ماكرون في مقابلة أجراها معه موقع «تشاينا أورغ»، إن «هذه المبادرة في غاية الأهمية، وأنا واثق من أنها قد تلعب دوراً هاماً في تنظيم المساحة الأوراسية وأنها تمثل فرصة حقيقية». وأضاف «أعتقد أنه من المهم جداً أن تعزز أوروبا والصين التشاور بينهما في شأن هذه المبادرة، وفرنسا على استعداد من أجل ذلك للعب دور المحرك. يجب أن نضع مشاريع عملية يمكننا القيام بها معا في أوروبا وآسيا ودول ثالثة». وأبدى تحفظاً واحداً غالباً ما يعبر عنه الأوروبيون، حرصاً منهم على تفادي أن تقتصر المشاريع على تدفق فائض إنتاجي صيني، إذ حض على العمل «في إطار شراكة متوازنة تكون قواعد التمويل فيها منسجمة مع معاييرنا ومع ما نسعى إليه معا»، داعياً إلى جعله مشروع «طرق حرير بيئية». وسيلقي ماكرون في شيان «خطاباً إطاراً» حول مستقبل العلاقات الفرنسية الصينية أمام ألف شخص. وبعد زيارة التماثيل الشهيرة لجيش الإمبراطور تشين شي هوانغ تي (حكم من 221 إلى 210 قبل الميلاد) المدفونة معه في ضريحه، توجه الرئيس الفرنسي إلى برج «دايان»، أو برج «الوزة البرية الكبير»، أحد أهم المعالم على طريق الحرير. وفي هذا المعبد المدرج على قائمة التراث العالمي، أودع الراهب شوانزانغ مخطوطات بوذية جلبها معه من الهند في القرن السابع خلال رحلة نقلت مغامراتها في «الرحلة نحو الغرب»، وهي رواية أسطورية من أهم مؤلفات التراث الصيني. وزار ماكرون «جامع شيان الكبير» المشيد وفق الطراز المعماري الصيني، وهو يصور الانفتاح الثقافي التي أحدثته طريق الحرير التي كان يسلكها التجار العرب في القرون الوسطى. ولا تزال المدينة تؤوي إلى اليوم مجموعة مسلمة كبيرة. وبعدها، سيتوجه الرئيس الفرنسي برفقه زوجته بريجيت إلى بكين، حيث سيلتقي شي جينبينغ وزوجته بنغ ليوان قبل عشاء خاص، يجمع الرئيسين وزوجتيهما. وسيقدم ماكرون لنظيره حصاناً من الحرس الجمهوري الفرنسي، ليبادله «ديبلوماسية الباندا» التي ينتهجها القادة الصينيون. ويجري استقبال ماكرون رسمياً الثلثاء المقبل، وسيتضمن البرنامج زيارة للمدينة المحرمة، ولقاء مع رئيس الجمعية الوطنية الشعبية ورئيس الوزراء وحفل استقبال، ثم توقيع اتفاقات وعقود وإصدار إعلان مشترك. ويختتم النهار بعشاء دولة في قصر الشعب. ويطمح ماكرون إلى التحالف مع شي جينبينغ في الكثير من المجالات، مثل البيئة ومكافحة الإرهاب والدعم لقوة دول الساحل الخمس، وتطوير الطاقات المتجددة في أفريقيا. ولا تزال هناك نقاط احتكاك بين باريسوبكين، لا سيما العجز التجاري الفرنسي البالغ 30 بليون يورو تجاه الصين، وتسعى فرنسا بهذا الصدد ل «إعادة التوازن» إلى العلاقة التجارية الثنائية، وتدعو إلى المبادلة بالمثل في فتح الأسواق بين الاتحاد الأوروبي والصين. وتدفع فرنسا في اتجاه زيادة سيطرة الاتحاد الأوروبي على الاستثمارات الأجنبية، لا سيما الصينية في القطاعات الاستراتيجية. وأكد قصر الإليزيه أنه سيتم التطرق في الأحاديث الخاصة إلى مسألة حقوق الإنسان. ودعت منظمة «هيومن رايتس ووتش» ماكرون في بيان إلى مطالبة شي جينبينغ «علنا» بتحسين الوضع في هذا المجال، وطرح مسألة ليو شيا، أرملة الحائز جائزة «نوبل» للسلام الصيني ليو شياوبو الذي توفي الشهر الماضي، وهي لا تزال عملياً قيد الإقامة الجبرية، من دون أن توجه إليها أي تهمة رسميا.