تشارك السعودية في المؤتمر العالمي الثاني للسياحة والثقافة، الذي سيعقد في العاصمة العمانية مسقط غداً (الإثنين)، في ظل ما تشهده المملكة من اهتمام بسياحة الثقافة والتراث، من خلال البدء في منظومة من المشاريع التراثية، والمنتجات والفعاليات المتعلقة بالسياحة الثقافية. وتعد السياحة الثقافية والترا ث أحد العناصر والأنماط الأساسية في صناعة السياحة، وهي تعتمد على الإرث الثقافي والتراثي، وتشمل زيارة مواقع التراث الثقافي الأثرية والتراثية، والحضرية والريفية، وبخاصة المدن والقري والمعالم التاريخية، والمرافق الثقافية كالمتاحف والمسارح والمعارض والأسواق الشعبية وغيرها، كما تشمل زيارة مناظر التراث الثقافي والطبيعي، والتعرف على عناصرها ومقوماتها، وما يترتب على ذلك من آثار ثقافية. وتحظى المملكة بعدد من المقومات التي تؤهلها للتميز في هذا النمط السياحي، من أبرزها: موقع المملكة وأرضها، التي كانت ولا تزال ملتقى الحضارات الإنسانية، بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي، الذي يتوسط قارات العالم، إضافة إلى المواقع الأثرية المهمة في جميع مناطق المملكة، ومواقع التاريخ الإسلامي، والمخزون المتنوع والهائل من التراث العمراني والثقافي في مساحة جغرافية كبيرة. ويوجد في المملكة أكثر من 150 موقعاً أثرياً، مفتوحة ومهيأة للزيارة، تستقبل السياح والزوار من داخل المملكة وخارجها، بما فيها 22 متحفاً حكومياً و174 متحفاً خاصاً، إضافة إلى أكثر من 50 موقعاً من مواقع التراث العمراني. ووفقاً لدراسة حديثة للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، تجاوز عدد الرحلات السياحية الثقافية المحلية في المملكة ستة ملايين رحلة العام الماضي 2016، شملت زيارات للمتاحف ومواقع التاريخ الإسلامي والمواقع الأثرية والمعارض الثقافية والفنية والمهرجانات الثقافية، وقدر الإنفاق المباشر للزوار المحليين والدوليين على أنشطة التراث الثقافي بحوالى 13.5 بليون ريال (3.6 بليون دولار)، في حين بلغ الأثر الكلي للإنفاق على السياحة الثقافية (مجموع الانفاق المباشر وغير المباشر) نحو 56.6 بليون ريال (15.1 بليون دولار)، وبلغ عدد فرص العمل التي تولدت من أنشطة الزوار في مواقع التراث الثقافي والأنشطة التجارية المحيطة بها (112) ألف وظيفة مباشرة. وبحسب التقرير، تنوعت الأغراض السياحية الثقافية واهتمامات الزوار، ما بين حضور المهرجانات والفعاليات الثقافية، التي نالت ما مقداره 39.7 في المئة من اجمالي الرحلات الثقافية، في وقت شهدت فيه الأماكن التراثية إقبالاً كبيراً من السياح، وبلغت نسبة زيارتهم من عدد الرحلات الثقافية 20 في المئة. في حين بلغت نسبة زيارة المتاحف والمعارض 8.1 في المئة من اجمالي الزوار، وقام نحو 5,1 مليون سائح محلي بزيارة المواقع الثقافية، من متاحف ومواقع تراثية وأثرية وفعاليات سياحية ثقافية، إذ أسهمت المتاحف الجديدة وتطوير العروض المتحفية، التي قامت بها الهيئة، إضافة إلى مشاريع تأهيل المواقع التراثية والأثرية، في زيادة الإقبال على هذه المتاحف والمواقع. اهتمام بالتراث الوطني واهتمت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالمملكة منذ بداياتها بدمج السياحة بالتراث والثقافة، من خلال تأسيس برنامج «الثقافة والتراث» بالهيئة في عام 1421ه (2002)، إذ عمل البرنامج على إعداد خطة تتضمن برامج وأعمال السياحة الثقافية التي تقوم بها الهيئة حالياً. وشملت جهود الهيئة في نمط سياحة الثقافة والتراث عدداً من المجالات، من أبرزها: المهرجانات السنوية، إذ عملت الهيئة على تأسيس ودعم عدد من المهرجانات التراثية والثقافية والتاريخية، من أبرزها سوق عكاظ، ومهرجان جدة التاريخية، ومهرجان الصحراء في حائل، ومهرجان الغضا بعنيزة، ومهرجان البادية ببيشة، ومهرجان الصقور بمحافظة طريف، لتضاف إلى مهرجانات تراثية وطنية كبرى، مثل مهرجان الجنادرية، ومهرجان الملك عبدالعزيز للإبل. كما قامت الهيئة بتطوير عدد من منتجات السياحة الثقافية والتراثية في أكثر من 25 وجهة سياحية، موزعة على الأسواق التاريخية، والقرى التراثية، والطرق التاريخية، والأسواق الشعبية، والفولكلور الشعبي، والصناعات التقليدية، والمأكولات الشعبية. وبرنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري. ومن المتوقع أن تسهم المشاريع التراثية الجديدة، التي بدأت الهيئة تنفيذها ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، في إحداث زيادة كبيرة في الرحلات السياحية الثقافية في مناطق المملكة. ويحظى هذا البرنامج الرائد برعاية ودعم من خادم الحرمين الشريفين، إذ تبنته ومولته الدولة، ضمن المبادرات المهمة لرؤية 2030، بأكثر من خمسة بلايين ريال، في المرحلة الحالية. ويتضمن البرنامج عشرة مسارات، ويشمل كل مسار مجموعة من المشاريع التراثية الرئيسة، التي تزيد في مجملها على 230 مشروعاً. وتشمل مشاريع البرنامج المحافظة على مواقع التراث العمراني، وتنمية القرى التراثية، وإنشاء وتأهيل وتجهيز المتاحف في المناطق، وتنمية الحرف والصناعات اليدوية، والتوعية والتعريف بالتراث الوطني، وتوفير التمويل من الدولة لمشاريع التراث العمراني ومشاريع التراث الحضاري. تأهيل 194 موقعاً أثرياً قالت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إن أبرز مشاريع البرنامج: «تأهيل أربعة من قصور الدولة التاريخية في عهد الملك عبدالعزيز في المرحلة الأولى (عام 2020)، و20 قصراً في المرحلة الثانية (عام 2030) بمثابة متاحف للمحافظات، وإنشاء وتجهيز وتشغيل 18 متحفاً عاماً في المرحلة الأولى، وتأهيل 80 موقعاً أثرياً للزيارة في المرحلة الأولى، و40 موقعاً في المرحلة الثانية، تضاف إلى 70 موقعاً مفتوحة للزيارة، ليصل عدد المواقع الأثرية المؤهلة للزيارة 190 موقعاً، وزيادة عدد المواقع المسجلة في قائمة التراث العالمي ب«يونيسكو» إلى سبعة مواقع بنهاية المرحلة الأولى، وعشرة مواقع بنهاية المرحلة الثانية، وتأهيل 18 بلدة تراثية في المرحلة الأولى، و22 بلدة أخرى في المرحلة الثانية، وتجهيز وتشغيل 17 مركزاً للإبداع الحرفي في مناطق المملكة. ويعد برنامج العناية بمواقع التاريخ الإسلامي أحد مسارات برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، ويعنى بمواقع التاريخ الإسلامي حمايةً وتأهيلاً وتوظيفاً. ويشمل مشاريع عدة، منها مشروع توثيق مواقع التاريخ الإسلامي، ومشروع تأهيل مسار الهجرة النبوية، ومشروع تهيئة المواقع المرتبطة بالتاريخ الإسلامي، وإنشاء مراكز للزوار في موقع معركة بدر الكبرى «متحف المعارك الإسلامية الكبرى»، وموقع غزوتي أُحد والخندق، وموقع الحديبية التاريخي، وموقع معركة اليمامة في قلب الجزيرة العربية، وجبل النور، وغار حراء، وجبل ثور. التراث العمراني والحرف اليدوية ومع تنامي العمل في مجال التراث العمراني في المملكة، أنشأت الهيئة مركز التراث العمراني الوطني عام (1432ه- 2011)، الذي عمل على عدد من البرامج والمشاريع، بالشراكة مع الجهات الحكومية والمجتمعات المحلية، أبرزها: مشاريع القرى والبلدات التراثية، والأسواق الشعبية، وقصور الدولة التاريخية، ومراكز أواسط المدن التاريخية، والمساجد التاريخية. كما أنشأت البرنامج الوطني للحرف والصناعات اليدوية (بارع)، الذي أسس بقرار مجلس الوزراء عام 1433ه، وتمكن البرنامج خلال سنواته الخمس من تنفيذ برامج لتدريب وتأهيل الحرفيين، وإشراكهم في المعارض والمهرجانات، إضافة إلى إدخال منتجاتهم في الفنادق، وتسويقها إلكترونيا، ودعم الحرفيين والحرفيات بالقروض لمشاريعهم الصغيرة، وتشجيعهم بالجوائز المختلفة. وبلغ عدد المسجلين في السجل الوطني للحرفيين والحرفيات حتى الآن 3202، من جميع مناطق المملكة. وعملت الهيئة على تأسيس شركتين لدعم أنشطة الاستثمار في مجالات التراث، بما يدعم سياحة الثقافة والتراث، هما: الشركة السعودية للضيافة التراثية، إحدى شركات الاستثمار السياحي والتراثي التي عملت عليها الهيئة وأقرتها الدولة، وتم إطلاقها برأسمال (250) مليون ريال، وبدأت العمل في باكورة مشاريعها «فندق سمحان التراثي» في الدرعية التاريخية، والشركة السعودية للحرف والصناعات اليدوية، التي اعتمد مجلس الوزراء تأسيسها ضمن مبادرات برنامج التحول الوطني، وتم دعمها بمبلغ 220 مليون ريال، وتهدف إلى المحافظة على تراث الحرف والصناعات اليدوية الوطنية، وتطويره. وطالب رئيس الهيئة الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، في الاجتماع التأسيسي لوزراء السياحة في دول الخليج، الذي احتضنته الكويت عام 2014، بالربط بين السياحة والثقافة والتراث، ودعا إلى عقد لقاء سنوي للمسؤولين عن السياحة مع نظرائهم المسؤولين عن الثقافة، وأعاد طرح هذه المبادرة على نطاق أوسع في اجتماع المجلس الوزاري العربي لوزراء السياحة في الدول العربية، الذي احتضنته الشارقة أواخر عام 2015. وأعدت الهيئة وثيقة موحدة لتحقيق الترابط والتكامل بين قطاعي السياحة والثقافة في دول مجلس التعاون الخليجي، وأقر وزراء السياحة ووزراء الثقافة في دول المجلس هذه الوثيقة، في اجتماعهم العام الماضي بالرياض، متضمنة رؤية شاملة لتطوير العمل المشترك بين هذين القطاعين، على مدى خمس سنوات. وتركز الوثيقة على اعتماد السياحة محركاً رئيساً للتعريف بالتراث الثقافي والحفاظ عليه. كما أعدت الهيئة، بالتعاون مع البنك الدولي، دراسة اقتصادية، بهدف بيان الآثار الاقتصادية للتراث الثقافي الوطني في توفير فرص العمل. إذ قدمت الدراسة المؤشرات الرئيسة للسياحة الثقافية في المملكة، وقدرت الأثر الاقتصادي للاستثمارات المنفذة في مشاريع ترميم وتأهيل مواقع التراث الثقافي. وأوضحت نتائج الدراسة أن الاستثمار في التراث الوطني له أثر اقتصادي إيجابي كبير، من حيث الإسهام في زيادة وتنويع مصادر الدخل الوطني، وتوفير فرص العمل للمواطنين على مستوى الموقع والمنطقة، وخلصت الدراسة إلى عدد من التوصيات، التي شرعت الهيئة في تنفيذها.