لم تكن رويدا إلا في مستهل مراهقتها عندما لاحظت أمها أنها تحكّ مناطق في أحدى رجليها بطريقة غير مألوفة. في البداية، ذهب ظن العائلة إلى أن الابنة تعاني نوعاً من «الحساسيّة»، لكن فشل العلاجات التي قدّمتها إحدى الصيدليات، من دون تبصّر كافٍ، دفع العائلة إلى الطريق الصحيح: استشارة طبيب مختص بأمراض الجلد. لم يجد المختص صعوبة في تشخيص المرض بأنّه صدفيّة («بسورايسيس» Psoriasis)، ووصف علاجات أعطت نتائج جيّدة. لكن لذلك المرض أوجه أخرى. وفي مستهل المراهقة، يكون الجمال أمراً فائق الأهمية، خصوصاً في الجلد الذي يغلّف الجسد فيكون هو أول ما تراه العين. وفي عصر ثورة المعلوماتيّة والاتصالات، كان بديهيّاً أن تلجأ رويدا إلى الإنترنت للحصول على مزيد من المعلومات عن مرضها. وبسرعة واجهت مشكلة التخالط المذهل في المعلومات. وصل الأمر إلى ما يشبه الدوار الذي لا خلاص منه. إذ قرأت أن المرض يتّصف بتكوّن سريع لخلايا الجلد وتراكمها على سطحه، مع ظهور بقع حمر وسطوح (لويحات) ورديّة اللون، وتكون مؤلمة وتثير حكّة شديدة. وفي مقابل صحة تلك المعلومات، برزت مشكلة محيّرة. إذ إن الموقع الذي قرأت منه رويدا تلك المعلومة الصحيحة شبّه ذلك التكاثر بما يحصل بمرض السرطان الذي ينفلت فيه تكاثر نوع معين من الخلايا في الجسم! ولبرهة، داخل رويدا شكّ في أنها مصابة بنوع من السرطان، وهو أمر نفته أمّها استناداً إلى معرفتها بأشخاص كثر عانوا الصدفية، بل شفوا منها. ومنذ بداية المرض، طمأنت الأم ابنتها إلى أنّه غير معدٍ، وأنها لن تنقله إلى آخرين تخالطهم يوميّاً. وصارت رويدا تسأل نفسها وأهلها باستمرار عن الموقع الشبكي الموثوق الذي يمكنها الركون إليه. ولم تجد الحل إلا بالعودة إلى الطبيب أيضاً. ولا يتسع المجال لعرض معاناة رويدا مع مرضها من جهة، والأهمية الحاسمة التي باتت تعطيها للالتزام بنصائح الطبيب المختص بشأن المرض وأدويته وعلاجه. لاحق جلدك بهاتفك الذكي كذلك أرشد الطبيب الابنة إلى تطبيق رقمي بإمكانها تثبيته على هاتفها الذكي، وتستفيد منه في الحصول على معلومات موثوقة، إضافة إلى أنه يخدمها في متابعة حالتها يوماً بيوم، بما في ذلك التقاط صور لمناطق الصدفيّة، مع كتابة ملاحظات عنها. ويحمل ذلك التطبيق اسم «ماي بسورياسيس تراكر» My Psoriasis Tracker ويقدّمه موقع شبكي مختص هو «سكِنّ تو ليف إن.كوم» skintolivein.com، ويوفّره عبر مخزني «غوغل بلاي» للهواتف التي تعمل بنظام «آندرويد»، و «آبل ستور» لهواتف «آي فون». وأفرد مؤتمر مختص في بيروت رعته شركة «نوفارتيس» Novartis العملاقة للأدوية، مطبوعة خاصة لذلك التطبيق، ووزعه ضمن مواد إعلاميّة طبيّة عن ذلك المرض. وتزامن المؤتمر مع «اليوم العالمي للصدفيّة» في 29 تشرين أول (أكتوبر) 2017. ومنذ عام 2004، يُكرّس ذلك اليوم للتذكير سنويّاً بذلك المرض الشائع الذي يصيب 2 في المئة من الناس في الكرّة الأرضيّة. وتم تنظيم المؤتمر بتعاون بين «نوفارتيس» و «الجمعية اللبنانيّة للأمراض الجلدية» و «نقابة الأطباء اللبنانيّة»، وحضره مختصون بالرعاية الصحية وممثلون عن وسائل الإعلام ومجموعة من مرضى الصدفيّة. وركّز المؤتمر على زيادة الوعي العام بالمرض، ولفت إلى أهمية التعاون بين الجمعيات الأهلية المهتمة بالصدفيّة ومرضاه، والأطباء الذين يقدّمون العلاج. وشدّد البروفسور فؤاد السيّد أنّ الصدفيّة ليست مجرد مرض يصيب مواضع معيّنة في الجلد، بل «مرض شامل يرتبط مع أمراض متعدّدة تصاحبه، تشمل السكّري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدمويّة وغيرها». ومع تركيزه على كون «الصدفيّة مرض جهازي شامل»، لفت السيّد إلى ضرورة التفاعل بين المريض والطبيب في مسارات العلاج كلها، خصوصاً تحديد الهدف الذي يسعى المريض إلى تحقيقه. ونبّه إلى أنّ «الوصول إلى جلد صافٍ هو أمر ممكن... مع تشجيع المريض على استشارة أطباء الأمراض الجلديّة للحصول على المعلومات والتوجيهات». المفاصل تعانيه أيضاً في المؤتمر عينه، لاحظ الدكتور داني توما، رئيس الجمعية أن الصدفيّة مرض يملك أبعاداً صحيّة ونفسيّة واجتماعيّة. ومع معرفة أن المرض يصيب خصوصاً من هم دون ال35 عاماً، أشار مشاركون في المؤتمر إلى وجود عوامل تزيد إمكان الإصابة به كالإجهاد والسمنة والتدخين والتاريخ العائلي (وجود أشخاص يعانون الصدفيّة في العائلة) والالتهابات الفيروسيّة والبكتيريّة، ما يزيد في أهمية النظر إلى الصدفيّة كمرض شامل في الجسم، وليس مجرد تغيير موضعي في الجلد. وفي المنحى عينه، أوضح الدكتور كامل مروة، رئيس «الجمعية اللبنانيّة لأمراض المفاصل والروماتيزم»، أنّ مرض الصدفيّة يؤثّر في المفاصل، بل يُحدِث إلتهاباً من نوع خاص متّصل به. وأشار إلى أنّ 30 في المئة من مرضى الصدفيّة يعانون ذلك النوع من التهاب في المفاصل. ولم يكن الجمال هو ما أرّق زميلاً صحافيّاً عانى مرض الصدفيّة منذ مقتبل شبابه، على رغم أنه لويحاته انتشرت على أماكن واسعة من جلده. إذ اشتد الأثر النفسي للمرض عليه مع إنجابه أطفالاً، كانوا دوماً يسألون عن سبب عدم لعبه معهم على الشاطئ صيفاً، كما يفعل معظم الآباء. ولعل حاله نموذجاً عن أثر الضغط النفسي والعصبي على المرض، كيف لا وهو يعمل في «مهنة البحث عن المتاعب»؟ وفي أوقات الشدّة النفسيّة، تأتي نوبات الاحتدام، فتتفاقم لويحات المرض وتشتد حكّته إلحاحاً. وفي المقابل، ثمة أوقات يكون فيها المرض في مرحلة خمود، فتتضاءل اللويحات، ويخبو إلحاح الحكّة وآلالامها. وبدافع من أبوة متوثّبة، استمر الزميل في العلاج تحت إشراف اختصاصي، وصولاً إلى تلقي أدوية مصمّمة أصلاً لعلاج مرض السرطان، وتملك آثاراً جانبيّة كثيرة. وفي عيني الأب، لا شيء يتقدّم على حب الأولاد. ويشتهر عن مرض الصدفيّة «مساواته» بين الجنسين، لكن معدلات الإصابة به تتفاوت بين البلدان وفقاً لعوامل تتعلق بالمناخ والعرق.