على مدار تسعة أيام (27 تشرين أول -أوكتوبر – 4 تشرين الثاني -نوفمبر) عقدت الدورة الثانية والعشرين لمهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف في العاصمة المغربية بحضور عدد من السينمائيين والضيوف من دول عديدة. وإذ يحسب للمدير الفني للمهرجان الناقد السينمائي والأستاذ الجامعي حمادي كيروم هذا الانتقال السلس بين صناعة سينمائية تقوم أساساً على فكر المخرج – المؤلف وفن جماعي لايمكن التفلت منه مهما بلغت حرفة هذا المؤلف في تصيّد الأفكار وتحييدها من مطبات الشروط الإنتاجية التي تصل إلى حد التعجيز أحياناً، فإن هذه الدورة شهدت تكريساً إضافياً للأفكار التي حملها هذا المهرجان منذ أن انطلق في دورته الأولى، ويشهد على ذلك توزيع الجوائز على مستحقيها من مخرجين ومخرجات وممثلين وممثلات. استبعاد! شارك في هذه الدورة 12 فيلماً روائياً طويلاً في المسابقة الرسمية، بعد استبعاد فيلم «شعر بلا نهاية» للمخرج التشيلي أليخاندرو خودورفسكي بسبب «التقطيع الجائر» الذي خضع له من قبل مقص الرقيب المغربي، ما أثار بلبلة في صفوف السينمائيين والجمهور على حد سواء واتهم المركز السينمائي المغربي بالوقوف وراءه، وهو الأمر الذي دفع لجنة التحكيم إلى احتواء الموقف عن طريق استبعاد الفيلم «تضامناً مع الفيلم ومخرجه وتقديراً للإبداع الكامل غير المنقوص». ترأس لجنة التحكيم المخرج المغربي المعروف فوزي بن سعيدي. وقد اعترف أعضاء لجنة التحكيم في بيانهم الاختتامي بصعوبة الاختيارات الفنية بين الأفلام، بسبب جودتها ورفعة مستواها الفني، ما يصعب القرارات في منح الجوائز، وهي قد جاءت عادلة في جوهرها، وماقد يزيد من الصعوبة أن الجائزة فنية وتمنح من مهرجان متخصص بسينما المؤلف التي قد تتنازعها أهواء صناع الأفلام من دون قصد، إلا أن هذا لايمنع من القول إن الجوائز اتّسمت ب «شجاعة» في اختيار أصحابها، ولم تخضع لحسابات غير فنية، وهذا سبب رئيس مهم للقول إن اللجنة كانت على دراية بعملها منذ أن دار الشريط الأول في المسابقة. 12 فيلماً تنتمي في الواقع إلى 27 دولة. الشق الإنتاجي يلعب دوراً كبيرا ومؤثراً في إنتاج هذه الأفلام، وهذا يشير إلى موضوع في غاية الأهمية اذ كيف يمكن للمخرج – المؤلف أن يرتقي بعمله تماماً كما يريد من دون الأخذ في الاعتبار مسألة في غاية الأهمية وهي شروط المنتجين، وهم كثر هنا، وهي عادة ما تلعب دوراً كبيراً في اعادة صوغ الكثير من توجهات الفيلم، أو على الأقل تفادي مايمكن تفاديه من الشروط التي قد تحمل عسفاً في أحايين كثيرة. أتت الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية من إيران «الابنة» للمخرج رضا كريمي، وفرنسا «بعد الحب» لجواشيم لافوس وأوكرانيا «السقوط» لمارينا ستيبانسكا وجورجيا «بيت الآخرين» لروسودان كلورجيدز ومصر «آخر أيام المدينة « لتامر السعيد وفنزويلا «العزلة لجورج تيلين آرموند وكولومبيا «الأرض والظل» لسيزار إسفيدو وفرنسا أيضاً «ميلا» لفاليري ماساديان وإسبانيا «ميموزا» لأوليفير لاكس وأيضاً إيران «أحلام الفجر» لمهرداد أسكوني وتركيا «الحرارة الصفراء» لفكرات ريحان وأخيراً من تونس التي مثلها فيلم «زيزو» لفريد بوغدير. وقد ذهبت الجائزة الكبرى «جائزة الحسن الثاني» لفيلم «بيت الآخرين» الذي يحكي عن مرحلة زمنية مهمة في تاريخ الصراع الجورجي – الأبخازي حين أعلنت أبخازيا استقلالها عن جورجيا عام 1991 وعاد من كانوا جيرانًا بالأمس الى بيوت احتلوها وغرقوا جميعاً في كوابيس الذكريات. الفيلم مشغول بشعرية وحشية عالية إن جاز التعبير لايمكن معها التوقف عن الغوص في كل كادراته المتقنة حتى آخر نفس، إذ لايبدو معها أن هناك شيئاً زائداً، أو في حاجة لقطع هنا أو هناك، كما هو الحال مع بعض الأفلام التي عرضت في المسابقة. كما منحت جائزة لجنة التحكيم الخاصة إلى «الأرض والظل» لسيزار إسيفيدون وهو من إنتاج كولومبي، فرنسي، هولندي، برازيلي، تشيلي. وحصل الممثل المغربي شكيب بن عمر على جائزة أفضل دور رجالي عن دوره في فيلم «ميموزا» ، وهو من إنتاج مغربي، إسباني، فرنسي. كما حصلت الأوكرانية مارينا ستيبانسكا على جائزة أفضل دور نسائي عن دورها في فيلم «السقوط». ومنحت لجنة تحكيم النقاد المؤلفة من الناقدة السينمائية السنغالية بيجي بوب، والناقد السينمائي الجزائري محمد علال وكاتب هذه السطور جائزة النقد للفيلم الإيراني «الابنة» للمخرج الإيراني رضا مير كريمي، فيما ذهبت جائزة الجمهور ل «أحلام الفجر» للمخرج مهرداد أسكوني. نشاطات موازية وشهدت الدورة 22 من مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف فعاليات وندوات موازية مثل تكريم المخرج اللبناني الراحل كريستيان غازي بعرض فيلمه «مئة وجه ليوم واحد» وفيلم وثائقي عنه للمخرجة اللبنانية نانسي الخوري بعنوان «مسرح عند ملتقى الرياح» وفيلم «وحدن» للمخرج الفلسطيني فجر يعقوب الذي سجل اللجظات المأسوية الأخيرة في حياته قبل أن يرحل في 2013. كما حلت السينما السويدية ضيفة شرف على المهرجان من طريق عرض ثلاثية «أن تكون إنساناً» للمخرج روي أندرسون الذي يعد اليوم واحداً من أسود المشهد السينمائي السويدي والعالمي وبالتالي خُصّصت ندوة عنه لحشد من النقاد في حضور مساعده في فيلم «حمامة على غصن تتأمل الوجود». وإلى هذا خصص المهرجان عروضاً لعشرة أفلام وثائقية وسبعة أفلام مبرمجة ضمن نافذة سينما العالم فضلاً عن ثمانية أفلام مغربية ضمن فقرة سينما المغرب، وكرّم المهرجان في حفل الافتتاح الممثلة المصرية رجاء الجداوي، والممثلة المغربية آمال عيوش في حفل الاختتام.