اجتمعت الأزمة السياسية الحادة في لبنان المتمثلة بعقدة تشكيل الحكومة، والخطاب السياسي المتشنج على خلفية ملفات كثيرة منها السياسي والأمني والاقتصادي، مع تداعيات موجة التغييرات في دول عربية، وضبابية تطبع ظروف دول أخرى لا تزال عالقة بين واقعها والنزعة إلى التغيير، لتضغط بقوة على الاقتصاد اللبناني في كل محاوره. وكثُرَ كلام الخبراء الاقتصاديين وأرباب القطاع الخاص، منذ بروز بوادر الأزمة الداخلية أي في الربع الأخير من العام الماضي، عن فرص فوّتها لبنان بسبب الأزمة الداخلية التي لم تطوَ، ويبدو أنها باتت مؤثّرة أكثر من أي وقت آخر. وتناول كلامهم تحديات جديدة تواجه عملية استعادة مسار التنمية والنمو، تتمثل في عملية إدارة الشأن الاقتصادي للتعامل مع هذه التحديات، فضلاً عن التكيّف مع رياح التغيير في المنطقة نظراً إلى ارتباط لبنان الوثيق بما ستؤول إليه هذه التغيرات. عن التداعيات التي أفرزتها الأزمة السياسية على الاقتصاد اللبناني، والتأثيرات التي عكستها التحوّلات في المنطقة سلباً أو إيجاباً على الوضع اللبناني الاقتصادي والعاملين في الدول العربية تحديداً الخليجية، وجهت «الحياة» أسئلة إلى خبراء ومسؤولين في القطاعات الإنتاجية والخدمية. في القطاع العقاري، «يبدو أن الوضع السياسي اللبناني بدأ يؤثر فعلاً، على عكس السنين السابقة التي شهدت أيضاً هزات سياسية وأمنية أصعب»، وفق ما لاحظ المدير العام لشركة «رامكو» للاستشارات العقارية رجا مكارم، اذ لفت الى «انعدام الطلب العربي وتحديداً الخليجي على العقارات في لبنان وتحوّل بعضهم إلى البيع لسبب سياسي يتصل بالوضع الداخلي»، معتبراً أنها «المرة الأولى التي يتأثر فيها القطاع سلباً منذ خمس سنوات نتيجة الوضع السياسي والأمني». ولمّح إلى أن بعضهم «يبيع بهدف تأمين السيولة التي يحتاج إليها لتغطية مراكز مالية له في الخارج، والوقت ملائم حالياً لتحقيق الأرباح». وأشار إلى عامل آخر، يتعلق ب «الاضطرابات الحاصلة في بعض الدول العربية التي انعكست سلباً على حركة الطلب، ذلك أن المستثمرين أو الراغبين في الشراء يتريّثون في التصرّف بما يدخّرون تحسباً لأي تطورات، وينسحب هذا التريّث على اللبنانيين العاملين في دول المنطقة وللسبب ذاته». لكن مكارم، لم ينفِ أن تراجع الطلب «ليس معمماً على القطاع بكامله»، إذ لفت إلى أن «الركود يطغى على الشقق التي تتجاوز مساحتها 300 متر مربع والأسعار التي تتخطى 700 ألف دولار»، مشيراً إلى أن «سوق الشقق ما دون هذه المساحات، والأسعار، خصوصاً الصغيرة منها أي بين 100 متر مربع و200، لا تزال ناشطة وأربابها مواطنون مقيمون، يشجعهم على الإقبال التسهيلات المصرفية المتاحة بفوائد مقبولة». ولاحظ أن «الطلب على هذه الشقق يزيد على المعروض منها». وعلى رغم المؤشرات السلبية، بحسب مكارم، لفت إلى أن «ما فاجأنا هو استمرار الطلب على شراء الأراضي في بيروت ولو بوتيرة أخفّ»، مشيراً إلى أن «الشارين هم من المستثمرين والمضاربين وليس المطورين الذين يجدون أن الأسعار غير مناسبة لهم، لأنها أعلى من المستويات المنطقية إذ تزيد ما بين 20 و30 في المئة». وعن تطور الأسعار، أكد مكارم، «استقرار الأسعار في مجمل سوق الشقق الفخمة داخل بيروت وخارجها، في حين استمر ارتفاعها بوتيرة أقرب إلى 10 في المئة معدلاً وسطاً سنوياً في سوق الشقق دون المتوسطة في بيروت وخارجها، بعد موجة الارتفاعات غير الصحية التي شهدتها السنون السابقة للعام الماضي». وتوقع أن «تستمر وتيرة التباطؤ على الطلب، إلا في حال تغيّر الوضع السياسي وهو بات في ظل ما توصل إليه حالياً، عاملاً أساساً في عودة الحركة الناشطة إلى الطلب من الخارج». واشترط لذلك، «العودة إلى طاولة الحوار والتوصل إلى حلول جذرية لكل القضايا السياسية والأمنية التي تشكل حالياً موضع تجاذب لا يتوقف، لكي يستعيد لبنان الثقة والقدرة مجدداً على استقطاب رؤوس الأموال». وعن مصير المشاريع الضخمة، أكد مكارم أن «المطورين أصحاب هذه المشاريع باعوا تقريباً بين 50 و60 في المئة من مشاريعهم، ولا مشكلة لديهم في تجميد ما تبقى لأن المخزون ضئيل ولا متوجبات عليهم للمصارف». أما بالنسبة إلى المشاريع الجديدة، فإن «المطور قادر على بيع مساحات بهامش ربح يقل من ذلك المحقق سابقاً». وانسحب تأثير الأزمة السياسية المحلية والأحداث التي تشهدها دول عربية، على القطاع السياحي الذي يُعتبر من القطاعات الحسّاسة جداً إزاء أي تطور سياسي أو أمني، إذ أكد رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان بيار أشقر، أن «نسبة التشغيل في هذه الفترة من السنة تراجعت إلى ما بين 27 في المئة و30"، مذكراً بأن «المعدل الوسط لهذه النسبة على مدى عامي 2009 و2010 سجل 70 في المئة على كامل السنة»، لافتاً إلى أن «النسبة في فترة عيدي الميلاد ورأس السنة الماضيين كانت مقبولة وقاربت المئة في المئة في بيروت لكن أقل بكثير خارجها». وأعلن أشقر، أن «النسبة التي كانت متوقعة في شباط (فبراير) الماضي، وهي تقتصر على فترة 15 يوماً، استناداً إلى الحجوزات المؤكدة في كانون الثاني (يناير) الماضي، أشارت إلى نسبة 90 في المئة، لكن سقوط الحكومة وتعطيل تشكيل الحكومة العتيدة واستمرار التجاذب السياسي المتأزم والتلويح بخطر العامل الأمني، أسقط هذه التوقعات لتصل نسبة التشغيل حالياً إلى ما بين 27 في المئة و30". وعزا هذا التراجع في الحركة السياحية أيضاً إلى «الاضطرابات السياسية التي يشهدها عدد من الدول العربية نتيجة التظاهرات، فضلاً عن الخطاب السياسي الذي يتدخل في شؤون دول أخرى، بغض النظر عن الدولة المعنية بهذا الخطاب، فضلاً عن إحجام الراغبين في السفر، عنه، في دول عربية أخرى مستقرة، بهدف تمضية العطلة أو العمل، بسبب ما يجري في المنطقة». لكن قال: «لو كان وضع لبنان السياسي أكثر استقراراً، وهو على هذه الوتيرة منذ ثمانية أشهر تقريباً، لأمكن استقطاب بعض الحركة كما تفعل دبي مثلاً». وشدّد على ضرورة «الإسراع في تشكيل الحكومة إذ لا يمكن بلداً أن يُدار من دون حكومة ومؤسسات، ولا يمكن بالتالي تحقيق النمو المرجو، المتوقع أن يكون صفراً في الربع الأول من السنة». وأشار إلى إجراءات «ضرورية يجب اتخاذها، منها مراسيم تتصل بالقطاع أولها القانون 402 الذي يجيز زيادة عامل الاستثمار للفنادق»، كاشفاً عن «انتظار استثمارات بقيمة بليوني دولار لمشاريع تفتح 40 مؤسسة جديدة أي 4000 غرفة جديدة و12 ألف فرصة عمل». يُضاف إليه «قانون مدرج في الموازنة يقضي بزيادة ضريبة المطار لتخصيصها لتمويل حملة تسويق لبنان سياحياً». ولم يتمكن أشقر من توقع مؤشر الحركة السياحية للأشهر المقبلة، إذ رأى أن ذلك «بات مرتبطاً في شكل وثيق بتشكيل الحكومة وهدوء الخطاب السياسي وتعزيز الثقة بالاستقرار من جوانبه المختلفة».