سحب التوافق السياسي اللبناني حول مخرج لمأزق تمويل سلسلة الرتب والرواتب، المضربين في القطاع العام وبعض المؤسسات التربوية الخاصة من الشارع. وأعلن كل من «الاتحاد العمالي العام» و «هيئة التنسيق النقابية» عن تعليق الاضراب في كل القطاعات بعدما تقرر دفع الرواتب على أساس الجداول الجديدة. وكان الاضراب دخل يومه الرابع امس، وشل الادارات العامة والقضاء والمدارس الرسمية والمرفأ والإهراءات والضمان الاجتماعي والكهرباء والمياه والنقل والاتصالات والبلديات والمستشفيات الحكومية. واجتمع مجلس الوزراء لليوم الثاني على التوالي لبلورة المخرج في السراي الكبيرة برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري الذي حرص بعد انتهاء الجلسة على اعلان نتائجها، داعياً كل النقابات إلى تعليق الإضرابات، والى أن تفتح الإدارات والمدارس أبوابها، «لأن كل ما قمتم به لم يكن له جدوى والحكومة كانت تعمل بالشكل الصحيح. وإذا أردت أن أنظر كحكومة كم كلفتني هذه الإضرابات، سأضع اللوم على النقابات. كنا جديين في ايجاد الحل، وأقول السلسلة ستدفع كما أقرت وفي الوقت الذي يجب أن ندفعها». واستهل الحريري جلسة مجلس الوزراء بشكر «الجميع على الجهد الكبير الذي يبذل للوصول إلى التوافق على الحلول المطروحة». وقال إن من «شأن التوافق انقاذ البلد من أزمة وتمكيننا من اتخاذ قرارات للحفاظ على الوضع المالي مع تأمين دفع السلسلة وتوفير الإيرادات المطلوبة». وشدد على «أن ما حصل يتطلب منا جميعاً أن نعمل بهذه الروحية والأسلوب، إن كان بالسياسة أو بالاقتصاد أو بتأمين المتطلبات الأساسية للمواطن، كالكهرباء وغيرها من الأمور»، معتبراً أن «التجاذب والخصام عدوا البلد ولا يصبان في مصلحة إدارة الدولة وتسيير أمور المواطنين». ولدى بحث مجلس الوزراء في صيغة مشروع القانون الذي ينص لمرة واحدة وبصورة استثنائية على إصدار الموازنة للعام الحالي ونشرها بلا إنجاز قطع الحساب وبلا تعليق المادة 87 من الدستور، وعلى أن حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التي تلي تلك السنة، أبدى نائب رئيس الحكومة وزير الصحة العامة غسان حاصباني بالنيابة عن وزراء حزب «القوات اللبنانبة» اعتراضه على صيغة مشروع القانون وطلب الموافقة على تعليق المادة 87. لكن حاصباني عاد وسحب اعتراضه وسجل تحفظه عنها، بما يضمن تنفيذ الدستور. وعلمت «الحياة» أن تعديل موقف «القوات» منها جاء بعد اتصال أجراه الحريري برئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي أبدى تفهماً لموقفه الذي يساهم في إعادة الانتظام للمالية العامة، ويؤشر الى التضامن الوزاري لوضع حد للخلاف حول كيفية إيجاد المخرج لتطبيق السلسلة، خصوصاً أنها كانت موضع إجماع أعضاء الحكومة. وشهدت الجلسة سجالاً بين الوزيرين سليم جريصاتي ومروان حمادة على خلفية قول الأول إن قطع الحساب يمتد منذ 1999 حتى اليوم ورد الثاني بأن هذا غير صحيح و«ما تقوله يصب في خانة لجوء بعضهم الى محاسبة سياسية لفترة محددة»، ما اضطر وزير العدل الى التوضيح في الاتجاه الذي أثاره حماده. وبعد الجلسة، قال الحريري: «من اليوم الأول لقرار المجلس الدستوري إبطال القانون الصادر عن المجلس النيابي لتمويل السلسلة، وضعت 3 معايير اساسية لمعالجة هذه المسألة وهي: ان الحكومة مصممة على تنفيذ قانون السلسلة لأنها مؤتمنة على تنفيذ القوانين الصادرة عن المجلس النيابي. كما أن الحكومة مؤتمنة على الدستور، وبالتالي تحترم قرار المجلس الدستوري، والحكومة مؤتمنة على مصالح جميع اللبنانيين وأهمها الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي. وقلت، انطلاقاً من هذه المعايير، إن الحكومة ستبحث عن حل يؤمن تنفيذ السلسلة والإيرادات للحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي، بالتعاون مع المجلس النيابي. وبعد 4 جلسات خصصتها الحكومة للموضوع، توصلنا اليوم إلى مشروع قانون معجل مكرر، يتضمن التعديلات الضريبية اللازمة، سنرسله إلى المجلس النيابي لإقراره سريعاً، مع الأخذ بملاحظات المجلس الدستوري». واضاف الحريري: «اتفقنا في مجلس الوزراء على صيغة لقطع الحساب تمكننا مع المجلس النيابي من إقرار الموازنة سريعاً». وتوجه إلى اللبنانيين قائلاً: «المشكلة التي واجهتنا كانت من ضمن لعبة المؤسسات الدستورية، وليست بالأساس تعبيراً عن مشكلة سياسية أساسية او مشكلة في التوافق السياسي». ولفت إلى أنه «لو لم يكن التوافق السياسي قائماً، لكان البلد دخل في مرحلة معقدة وصعبة، ولأصبحت لدينا مشكلة في السلسلة وفي طريقة اقرار الضرائب وكيف يمكننا التوصل إلى توافق سياسي في مشكلة قطع الحساب». وقال: «هذا التوافق السياسي الذي نحرص عليه، رئيس الجمهورية وانا وكل الافرقاء في الحكومة، انتج هذا الحل الذي ظن بعضهم انه سيكون معقداً وسيؤسس لكيف نحكم البلد ونضع مصالح المواطنين قبل مصالح الاحزاب ونحفظ مالية الدولة». وتوجه إلى النقابات التي نزلت إلى الشارع، قائلاً: «اعرف انه كان لديكم خوف على مصير السلسلة، ولكن تأكدوا جيداً ان هذه الحكومة من اللحظة الاولى مع المجلس النيابي ومع رئيس الجمهورية، كان لدينا حرص على الموافقة على السلسلة والاصلاحات والضرائب. وهذه الحكومة في هذا العهد هي التي اقرت السلسلة والرواتب والاصلاحات والضرائب». وقال: «مضت خمس سنوات وانتم تتحركون من دون اي نتيجة، ولكن هذه الحكومة انجزت المطالب. وسيتم دفع الرواتب على اساس السلسلة. وكل ما حصل سببه التوافق السياسي. لم يكن هناك من يعمل ضد هذا الحل. ومنذ اللحظة الاولى قلنا هذا الشيء، ولكن لسوء الحظ هناك من حاول ان يتلاعب بين الافرقاء السياسيين ويصور وكأن هناك فريقاً يريد دفع السلسلة وآخر يرفض دفعها. اليوم مجلس الوزراء كذب هؤلاء واظهر انه متضامن واتخذ القرارات اللازمة، والمجلس النيابي سيفعل الامر ذاته. وانا على اتصال مع الرئيس بري، وبالامس فتح رئيس الجمهورية باب الحل بشكل كبير والاسبوع المقبل نذهب إلى المجلس النيابي للتصويت على كل هذه القوانين». قطع الحساب والموازنة وعن قطع الحساب، قال: «هناك وضع خاص في شأنها. عشنا حرباً أهلية في البلد. ولكي ينتظم الوضع، حصل تصفير للحسابات في العام 1993. وكان يفترض أن تحصل تسوية بعد عام أو عامين لكي تنتظم الأمور، لكن لم يحصل. ومجلس النواب قام بقطع الحساب، وأبقى بنداً ضمنه بأنه يحق لديوان المحاسبة مراجعة الحسابات والمصادقة عليها متى شاء. هكذا كانت الأمور تسير. لكن هذا الأمر لم يحصل طوال هذه السنوات. لذلك، ومنذ بدأنا بهذه الحكومة حاولنا أن تنتظم كل الأمور، ولم نتمكن من إيجاد الوقت لتحقيقه في موازنة العام 2017. أكيد يجب أن يكون هناك قطع حساب، وفقاً للدستور، لكن عدم وجود موازنة هو أيضا خرق للدستور. ونعمل على القاعدة الاثني عشرية». وقال: «أقررنا الموازنة في مجلس الوزراء وسنقرها في المجلس النيابي ونعطي كل الأسباب الموجبة لكي نصل، خلال ستة أشهر أو ثمانية أشهر أو سنة لأن ننجز الموازنة وقطع الحساب». واكد الحريري «التحالف مع الرئيسين عون وبري وكل القوى السياسية في الحكومة. ونحاول أن نأتي بكل الأفرقاء إلى رأي واحد. ثم لماذا يجب أن نقول إن هناك خلافاً بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي؟ هذا ليس صحيحاً. المشكلة أنه حصل طعن والمجلس الدستوري ابطل القانون. واحترمنا قراره. تصوروا لو لم يكن هناك توافق في البلد وحصل الطعن، إلى أين كان سيذهب البلد؟». وعن الخلاف السياسي، قال: «تعرفون موقفي. أنا لست مستعداً للتعامل مع النظام السوري، لا من قريب ولا من بعيد. هذا الأمر واضح وهذه الحكومة واضحة وبياننا الوزاري واضح، فلا يأخذني أحد إلى مكان آخر. نعم هناك خلاف سياسي في هذا الموضوع». وعن لقاء الوزير جبران باسيل مع نظيره السوري وليد المعلم، قال: «أنا غير موافق على أن يجتمع الوزير باسيل مع المعلم، ونقطة على السطر». وعن احتمال ان يطعن المجلس الدستوري في القانون الجديد، قال الحريري: «لا شيء يمنع، لكننا كحكومة وكمجلس نواب موقفنا واضح. هناك أمور تحدث عنها الرئيس بري بكل وضوح، وكذلك فعلنا كحكومة، إن لمجلس النواب الحق في أن يقر ضرائب متى يشاء. وهذا الأمر موجود في المادة 81، حتى أن المجلس الدستوري اضطر إلى أن يوضح هذا الأمر. لذلك نحن نعرف ماذا نفعل ومستمرون حتى النهاية». وعن مسألة الضرائب على المصارف، قال: «أخذنا بكل ملاحظات المجلس الدستوري، وإن شاء الله لن يتمكن أحد من الطعن مجدداً»، معتبراً أن «هذه هي الديموقراطية، تحصل طعون، وتحصل ردود، ويحصل توافق. والأهم أن التوافق السياسي تمكن في المراحل الصعبة للغاية من إيجاد كل الحلول لكي نخرج من أزمات كانت في السابق «رح تفوّتنا بالحيط». وقلل الوزير حمادة من احتمال تعرض مشروع القانون الجديد إلى الطعن. وقال: «تحفظت انا وزميلي ايمن شقير عن البند المتعلق بالاملاك البحرية، مع العلم انه تم وضع زيادات بالنسبة إلى الرسوم والغرامات عليها، ولكن نحن لدينا مقاربة مختلفة عبر عنها «اللقاء الديموقراطي» والحزب «التقدمي الاشتراكي» والتي تعترف مطلقاً بحق اللبناني على املاكه البحرية ولا نقبل ان ينتقص أي قانون حقه الدستوري في ذلك».