طالب إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس بتشكيل مجالس ولجان تنسيقية بين القطاعات الحكومية والأهلية والتعليمية والأمنية والتربوية لتوعية الشبان والمجتمع بأهمية الاعتدال والوسطية ومحاربة الأفكار الضالة وتحقيق الأمن الفكري، منتقداً ضآلة دور الجامعات في هذا الخصوص حتى الآن. وقال السديس خلال محاضرته «الوسطية في الإسلام» التي ألقاها ضمن الفعاليات المصاحبة لمؤتمر «دور الجامعات العربية في تعزيز مبدأ الوسطية بين الشباب العربي» الذي تنظمه جامعة طيبة، «بقدر تمسك الأمم بمميزاتها الحضارية والتزام المجتمعات بثوابتها القيمية بقدر ما تتحقق لها الأمجاد التاريخية والعطاءات الإنسانية»، مشيراً إلى أن الوسطية من أهم مميزات الإسلام، وأنها سمة ومنهج ومبدأ مهم في الدين، لأن الله أثنى على الأمة ووصفها بأنها الأمة الوسط، وأنها منهج النبوة. ولفت إلى أن التقصير في هذه المهمة والمبدأ الكبير يزج بالأمة إلى تيارات خطرة، «خصوصاً أننا نعيش عصر ثورة الاتصال وتفجر المعلومات والشبكات والمواقع والمنتديات التي كانت سبباً وعاملاً رئيساً لانحراف كثير من أبناء المجتمعات الإسلامية عن المنهج الوسط، فاتبعوا تيارات الغلو والتطرف، ووقعوا في تطرف آخر مقابل بالعلمنة والعولمة والتغريب والتميع والانهزامية وتضييع الثوابت وهز المعتقدات والمبادئ والقيم». وأضاف السديس: «إن وسطية الإسلام تتجلى في مجالاته كلها، فجاء الإسلام وسطاً بين الملل فلا إلحاد ولا وثنية بل عبودية خالصة لله عز وجل في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات ووسطاً بين أهل التشبيه والتمثيل والتحريف والتعطيل والقضاء والقدر، وفي مجال العبادة ومراعاة مقتضيات الفطرة والتناسق البديع بين متطلبات الروح والجسد، وكذلك ما يتعلق بالتشريع والتحريم والتحليل ومناهج النظر والاستدلال فتوسطت الشريعة في هذه المجالات بين اليهود الذين حُرم عليهم كثير من الطيبات وبين قوم استحلوا حتى المحرمات، وكذلك في منهج النظر والاستنباط، إذ وازن الإسلام بين مصادر التلقي والمعرفة ووافق بين صحيح المنقول وصريح المعقول وعالم الغيب والشهادة وأعمال النصوص ورعاية المقاصد واستجلاء القواعد وحكم الشريعة وأسرارها، ووازن بين تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وكذلك في مجال الأخلاق والسلوك والنظام الاقتصادي، إذ وازن الإسلام بين حرية الفرد والمجتمع فيحترم الملكية الفردية ويقرها ويهذبها حتى لا تضر بمصلحة المجتمع، وكذلك في مجال الحرية بين الفرد والمجتمع حرية الرأي والفكر والسلوك وغيرها وفي النظام السياسي جاء منهجاً وسطاً بين حقوق الراعي والرعية وحض على العدل والقسط». وتطرق الدكتور السديس إلى دور الجامعات في تعزيز مبدأ الوسطية في نفوس الشبان، مشيراً إلى أنه لا يزال ضئيلاً، «إذ إن عليها مسؤولية في حسن اختيار الإداري والمسؤول الوسطي المعتدل وأستاذ المادة الذي يربي الأبناء على منهج الاعتدال». وأوصى السديس في نهاية محاضرته بضرورة الوعي بأهمية الوسطية والاعتدال، وقيام الأسرة بدورها الرائد في التربية والحفاظ على النشء من التيارات الفكرية المنحرفة، وإضافة مادة تعنى بالوسطية ضمن المقررات الدراسية بالثانويات والجامعات، وتجلية الشبهات حول الغلو والتطرف، وبيان خطرهما على الفرد والأمة، والعمل على ميثاق شرف وسطي تعليمي إعلامي تربوي يستمد ذلك من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتتابع والتوارد على عقد المؤتمرات والندوات النافعة لتوعية المجتمع بأهمية الوسطية، والعمل على إنشاء قناة فضائية عن الوسطية، والعمل على طباعة ونشر الكتب التي تتحلى بالوسطية والاعتدال وتحارب التعصب والغلو وتدعو إلى الوسطية وإحياء رسالة المسجد وتأكيد منهج السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين.