اجتاح المنطقة العربية زلزال سقطت معه كثير من الأقنعة، وتبلورت معه كثير من المواقف الفردية، أمّا الحياد فأصبح لعبة مكشوفة ومهترئة، فحكاية أن تضع قدماً هنا وقدماً هناك قد انحرق كرتها، وليس من شبهة في كشف الوجوه إلا عند محاولة تغطيتها ثانية، لأنه اتضح لصاحبها أو بدأ يتضح أن الحسبة قد خانته ولم تجرِ كما توقع لها، ولكن عفواً، فمن رأى الوجه الحقيقي ليس كمن لم يره، فإذا كانت السياسة هي فن إدارة القوى والتوازنات، فهي كذلك على المستوى الشخصي، فمن الأكيد أن للإنسان كما للدول حساباته هو أيضاً، ولكل وجهة خسارتها ومكاسبها، إن في الموالاة وإن في المعارضة، وفي النهاية نحن نتكلم عن موقف سياسي، وليس صحيحاً في المشهد السعودي أن من يوالي الدولة هو كما أطلق عليه البعض «المثقف الخَوي»، إلاّ إذا كانت الثقافة تعني المباهاة بالتمرد السياسي فهنا علينا أن نناقش مفهومنا للثقافة أولاً، ثم ماذا عن المرأة في هذه الحالة؟ هل تلتحق بزميلها «الخَوي»؟ وإن كانت الأزمة قد أثبتت أن المرأة أميل ما تكون إلى العاطفة في حكمها على أمور لا تحتمل غير الموضوعية والحيادية في التحليل، وخصوصاً في مجالي السياسة والاقتصاد، وهو ليس انتقاصاً من طبيعة المرأة، بل إن وجدانياتها هي مصدر فخرها وقوتها، ولكن حين يتعلق الأمر بمسائل الحكم والحروب وإدارة الأزمات في الدولة الواحدة وبين الدول فالرجل أقدر وأبعد استيعاباً من المرأة، إلاّ في حالات استثنائية تلتقطها المؤتمرات وشاشات التلفزة، فكم هي نسبة المرأة السياسية والاقتصادية بالنسبة إلى مثيلها الرجل، وتحديداً في البلاد العربية؟ بالرغم من أن الحرية هي حق عام، إلاّ أن تكوينها مرتبط بتربية عقل الإنسان وقدراته السياسية والفكرية الثقافية، فلا يستقيم الرهان على الحرية إلاّ إذا استقام الرهان على العقلانية التي يحتاج إليها تشكيل الإنسان الحر، كي تتحول الحرية إلى مبدأ ووسيلة لإعادة صياغة اختيارات الإنسان، سياسياً كمواطن حر يساهم في بناء قوانين المدنية، وعقلياً، كإنسان متحرر من الخرافات الطبيعية والمكتسبة، وكذا من الشعور بالعادة والخنوع التاريخي والجماعي، والسؤال: أين هو المواطن العربي الحر بهذا المعنى؟ فالمواطن الحر هو فكرة سياسية لابد عند تجسيدها أن تسبقها تربية جماعية تتمثل في سياسة بوصفها ممارسة للحرية، وتربية فردية بما تشمله من تكوين لقيم الحرية وثقافة الضمير، والسؤال الثاني: أين هو المواطن العربي بهاتين التربيتين الجماعية والفردية؟ فالسياسة الحديثة لا تقوم على افتراض وهمي بأن كل فرد هو بالفطرة سيد وعاقل وحر، ولكنها تجعل من تربية الفرد على السيادة والعقلانية والحرية موضوع رهانها الأول، الذي يبدأ من البيت ويمر بالمدرسة والجامعة ليصب في أروقة الأنظمة والقوانين، فهو إن حصل فمن الطبيعي أن يفرز النظام السياسي والاجتماعي المدني الذي يتماشى مع التربية والبيئة. قيل إن الديمقراطية نظام للحكم لا يكتمل إلاّ إذا كان الحكم بالشعب ولمصلحة الشعب، فإذا كان المميز الحقيقي لنظام الحكم وإنسانيته هو اهتمامه بمشكلات الشعب وهمومه، فأين المشكلة إن وجد هذا النظام في أن يؤيده الشعب طالما أن فيه تلبية لحاجاته؟ بل إن الحكم الملكي الأبوي الذي يكفل حقوق الشعب ومصالحه، ليفوق الحكم الديمقراطي الذي يعترف شكلياً بسيادة الشعب، ولكنه يتعدى واقعياً على حقوق هذا الشعب ويهدرها، وإليكم نظم حكم جمهوريات حديثة نسبت إلى نفسها الديمقراطية، بينما هي أول من انتقص أصول هذه الديمقراطية دستورياً وقانونياً وإنسانياً، ثم إن كانت الديمقراطية ستجعل من أفراد على شاكلة من اقتحموا معرض أسبوع الكتاب بالرياض يتمتعون بصلاحيات وسلطات أكبر، فمن الأفضل أن نراجع «كرّاسة» الديمقراطية ومدى جدوى تحقيقها العملي في مجتمع هذا هو وعي شريحة منه ليست من الحكمة السياسية الاستهانة بوزنها العددي، تقول أحلام مستغانمي: «وحده الزمن سيدلك على الصواب، عندما يفقد الآخرون صوابهم، أما التاريخ، فلا تتوقع أن يقول كلمته على عجل.. هو أيضاً ينتظر». [email protected]