عندي دليل آخر على آخر العالم، أو أشراط الساعة بالفصحى، هو أن الأميركيين الذين قلدناهم في الخطأ والصواب أصبحوا يقلدون العرب في التظاهر لقلب أنظمة الحكم الديكتاتورية. المصريون كانوا لا يزالون يحتفلون في 13 فبراير بغياب حكم حسني مبارك عندما بدأ الأميركيون في ماديسون، عاصمة ولاية وسكنسن، يتظاهرون للإطاحة بنظام حاكم الولاية سكوت ووكر الذي سعى مع جمعية (برلمان) الولاية لإصدار قانون يلغي حق نقابات العمال في التفاوض المشترك أو الجماعي الموجود منذ حوالى نصف قرن لحماية حقوق العمال. وكانت أول تظاهرة بدأت بخمسين شخصاً أمام مبنى كابيتول الولاية، ثم تطورت بسرعة، وشارك فيها عشرات الألوف، وأصبح حكام الولايات الأخرى التي تريد إصدار قوانين مماثلة ينتظرون بقلق ثورة شعوب ولاياتهم عليهم، كما انتظر الحكام العرب دورهم بعد أن دارت الدوائر على نظامي تونس ومصر. كنت أعتقد وأنا أتابع التظاهرات في وسكنسن انني وقعت على شيء لم يفكر به أحد غيري، هو أوجه التشابه مع التظاهرات العربية، ثم وجدت ان كثيرين لاحظوا ما لاحظت، من السياسيين والكتّاب والمعلقين الى المتظاهرين أنفسهم. القس جيسي جاكسون شبه انتفاضة وسكنسن بحركة الحقوق المدنية سنة 1965. وأستاذ العلوم السياسية بوت فيتراكيس اعتبر القانون المقترح عدواناً على الديموقراطية وبدء السير نحو الفاشستية، وقال: ان أول المان وضعهم هتلر في معسكرات الاعتقال لم يكونوا من اليهود أو الغجر بل نقابيين عماليين. وقرأت مقالاً كتبه روبرت كوتر عنوانه «تجربة تونس في وسكنسن»، يبدأ بهذه الكلمات: كما أظهرت أحداث مصر لا أحد يعرف ماذا يطلق احتجاجات الجماهير... أما ميديا بنجامين فهي تنقلت بين مصر ووسكنسن فكتبت مقالاً بعنوان «من القاهرة الى ماديسون: الأمل والتضامن حيَّان»، ومع المقال صورة تقول «مصر تؤيد وسكنسن». وكانت هناك شعارات من نوع «من مصر الى وسكنسن نحن نثور» و «أهلاً بكم في وسقاهرة» وأيضاً «حكومة ووكر: مبارك بتوعنا». وحملت الكاتبة من مصر لافتة تقول «تضامن مع عمال مصر» عُلقت من شرفة مبنى الكابيتول في ماديسون. تظاهرات ماديسون تكمل أسبوعها الثالث، وهي اجتذبت متظاهرين ومؤيدين وأنصاراً من مختلف أنحاء البلاد، ووجدت دليلاً آخر على نهاية العالم وأنا أقرأ ان مقهى قرب مبنى جمعية الولاية رفع شعار «يا عمال العالم اتحدوا» وهو شعار الشيوعية المشهور. الجمهوريون في ولايات عدة يحاولون تحجيم نفوذ العمال بمنع التفاوض الجماعي، وموقفهم هذا أيقظ الجناح الليبرالي أو اليساري الأميركي من سباته بعد أن أخلى الميدان طويلاً لليمين، أو حزب الشاي. وهكذا كان واجتذبت التظاهرات في وسكنسن طلاباً ومعلمين وعمال حديد وصلب ومتقاعدين وممرضات وفئات أخرى. نذكر كيف احتضن الثوار في ميدان التحرير رجال الجيش، وقالوا ان الجيش منهم ولهم؟ في ماديسون حاول المتظاهرون كذلك استمالة الشرطة ورفعوا شعار «رجال الشرطة من أجل (أي يؤيدون) العمال، مع العلم ان رجال الشرطة والمطافئ غير مشمولين بالحظر المقترح على التفاوض الجماعي. هل يسقط النظام الغاشم في وسكنسن، وهل يتعلم الحكام الجمهوريون في الولايات الأخرى الدرس «الوسكنسني» أو يركبون رؤوسهم، ويقوم من يطالب بهذه الرؤوس. ان لم تتساقط الرؤوس فهناك دائماً جدة لاستضافة زعماء الأنظمة الساقطة، وحتى إشعار آخر يختار السياسيون الأميركيون أن يلجأوا الى ولايات مجاورة، فأعضاء الأقلية الديموقراطية في ولايتي وسكنسن وإنديانا لجأوا الى إيلينوي لمنع الغالبية الجمهورية في الولايتين من إصدار تشريعات ضد حقوق العمال. وهذا يعادل ما نعرف عن وجود خصوم نظام القذافي في الخارج، وانضمام بعض المسؤولين في النظام اليهم بعد قيام الثورة الشعبية. غير أن وجه الشبه ينتهي هنا لأنني واثق من أن حاكم وسكنسن لن يحاول خطف المعارضين من الولايات المجاورة، والعودة بهم الى ليبيا ليختفوا. [email protected]