التدخل العسكري الأميركي في ليبيا مستبعد من الناحية السياسية، إلا إذا ساءت الأوضاع وتطورت على نحو يمنع تدفق النفط والغاز، ويهدد أمن الدول المتوسطية، أو تلقت واشنطن دعوة من المعارضة الليبية. لكن المعارضة ستفكر مليون مرة قبل ان تتخذ خطوة بهذه الحساسية والخطورة، فدعوة قوات أجنبية الى حسم الموقف، ستجعل هذه المعارضة لا تختلف عن مثيلتها العراقية التي حرّرت العراق من حكم صدام على ظهر الدبابة الأميركية. وهي، إن فعلت، ستخسر صدقيتها ومستقبلها، فضلاً عن انها ستُدخِل ليبيا في النفق العراقي، وتكرر المأساة. كل التحليلات عن هذا التدخل انشغلت بسهولة تنفيذ العمل العسكري ضد نظام القذافي وصعوبته، وأهمية وجود غطاء دولي عبر الأممالمتحدة، والخلاف الذي قد ينشأ بين دول الحلف الأطلسي (الناتو). لكن القضية الأهم هي أن التدخل المحتمل سيعاود تفسير الثورات المتوالية في دول عربية. ففي خضم الحديث عن مؤامرة غربية تقف وراء هذه الانتفاضات، سيخلط التدخل المحتمل الأوراق، ويوجِد موقفاً شعبياً مضاداً لهذه الثورات، مثلما حدث في العراق، ولن يكون مستغرباً نشوء جماعات مقاوِمة في كل بلد عربي، ضد الأنظمة الجديدة، تماماً مثلما نشهد في بلاد الرافدين، فضلاً عن ان المناخ الجديد سيسمح للجماعات الإسلامية بالتحرك. إذا نفذت واشنطن عملاً عسكرياً في ليبيا، ستشوّه صورة هذه الثورات. ستنقل الحال العراقية الى غير بلد عربي، وستجعل الفوضى «الخلاّقة» حقيقة استعمارية لا تقبل الجدل. لا شك في ان موقف أميركا والدول الأخرى الغربية من الأحداث في دول المنطقة، سيتحدد استناداً الى تصرفها تجاه الأحداث الليبية. إن تدخلت عسكرياً، فهي غير راضية عما حصل في تونس ومصر، ناهيك عن أنها ستؤكد أن دورها في العراق لم يكن خطأ كما يقال. وإن تركت الليبيين يحسمون أمرهم بأنفسهم، ستضع الرئيس علي عبدالله صالح، ومن يرى رأيه في حرج بالغ. الأكيد أن أحداث ليبيا هي التي ستصنع نهاية المشهد الراهن. ليبيا اليوم أصبحت هي الصوت المرجِّح لصورة هذه الثورات. ليبيا تثير السؤال، هل ما يجري تلقائية شعبية ومصادفة تاريخية، أم امتداد لاحتلال العراق وخلق حال من الفوضى في المنطقة؟ واشنطن هي التي ستجيب عن هذا السؤال خلال الأيام المقبلة.