دخلت الانتفاضة الليبية أمس أسبوعها الثالث، في ظل اشتداد الضغوط الداخلية والخارجية على العقيد معمر القذافي كي يتنحى ويجنّب البلاد حرباً أهلية قد تؤدي إلى تقسيمها. وفي حين سُجّل فشل القوات الموالية للعقيد الليبي في استعادة السيطرة على مدينتي الزاوية ومصراتة في غرب البلاد على رغم شن هجمات عنيفة استمرت حتى فجر الثلثاء، لوحظ أن شرق البلاد الذي سقط في أيدي المحتجين منذ أيام الانتفاضة الأولى بدأ يسلّح متطوعين ويدربهم للتصدي لقوات القذافي أو لمساعدة المدن المنتفضة ضد حكمه في غرب البلاد. وأكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أمس، أن واشنطن «تحترم» رغبة المعارضة الليبية بعدم مباشرة تدخل عسكري خارجي ضد نظام القذافي، مشيرة إلى أن الثوار يسعون اليوم الى تحصين المواقع التي سيطروا عليها «ومحاولة نزع طرابلس من سلطة القذافي». وفيما لم تلتزم الوزيرة بخيار فرض الحظر الجوي الذي ما زال «قيد الدرس»، أكدت أن كل الخيارات تبقى على الطاولة وأن ليبيا تقف على منعطف بين التحول الى ديموقراطية أو الانزلاق الى حرب أهلية. وفي جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، جددت كلينتون دعوتها القذافي إلى «الرحيل الآن»، مشيرة إلى أن «ما من خيار سيسحب عن الطاولة طالما أن النظام الليبي يوجّه سلاحه ضد شعبه». أما عن صورة المعركة اليوم في ليبيا، فقالت كلينتون «نحن نعرف عن الجهود التي يقوم بها القذافي للدفاع عن طرابلس وبضعة أماكن أخرى ما زالت في حوزته». وأضافت «أن المعارضة تعمل لتثبيت حضور عسكري أكبر كي يتمكنوا ليس فقط من الدفاع عن الأماكن التي سيطروا عليها بل محاولة انتزاع طرابلس» منه. وكان بارزاً في هذا السياق رفض كلينتون الالتزام بخيار الحظر الجوي أو التدخل العسكري، وقالت: «نحن ندرك رغبة قوات المعارضة الليبية بأن يُنظر اليهم بأنهم يقومون بذلك بأنفسهم ونيابة عن الشعب الليبي، وألا يكون هناك تدخل عسكري من أي قوة خارجية لأنهم يريدون أن يكون هذا انجازهم». وأكدت «اننا نحترم ذلك»، قبل أن تشير إلى أن واشنطن وحلفاءها في حلف الشمال الأطلسي (الناتو) «بدأوا النظر بخطط محتملة واستعدادات في حال شعرنا أن هناك ضرورة ولأسباب انسانية أو غيرها أن نتخذ بعض الأفعال». وأضافت: «أحد هذه التحركات قيد المراجعة هو الحظر الجوي...هناك نقاش...انما يجري البحث به بفعالية». واعتبر الجنرال جيمس ماتيس قائد المنطقة الأميركية الوسطى التي تقع ليبيا في إطارها، في كلمة أمام مجلس الشيوخ، أن اقامة «منطقة حظر جوي تستدعي القضاء أولاً على القدرات الليبية في مجال الدفاع الجوي». وفي نيويورك، استعدت الجميعة العامة للأمم المتحدة ليلة أمس لتبني قرار بتعليق عضوية ليبيا في مجلس حقوق الإنسان، بعدما حظي مشروع قرار بهذا الشأن بدعم أكثر من 50 دولة. وتولى لبنان مهمة حشد هذا الدعم. لكن موقف السفير السوري بشار جعفري ربما يعرقل إقراره بالإجماع، علماً أنه أجرى اتصالات بديبلوماسيين قائلاً إن قائمة المتبنين لمشروع القرار تضمنت إسرائيل، الأمر الذي نفاه مندوب ليبيا الدائم السفير عبدالرحمن شلقم. وأكد شلقم أن التركيز الآن على «أن تقوم كل الدول بتعليق عضوية النظام الرسمي»، مؤكداً أن في الإمكان «البناء على موقف جامعة الدول العربية التي علّقت عضوية النظام» الليبي بهدف الوصول إلى تعليق عضوية النظام أيضاً في مجلس حقوق الإنسان ثم العمل على تعليق عضويته في الأممالمتحدة. وفي موسكو، نقلت وكالة «انترفاكس» الروسية للأنباء عن مصدر في الكرملين وصفه الزعيم الليبي بأنه «حتى ولو تمكن من السيطرة على الوضع، فإنه جثة سياسية متحركة لا مكان لها في العالم المتحضر الحديث»، مؤكداً أن الوقت حان كي يتنحى، في أول موقف علني واضح يدعو القذافي إلى ترك السلطة. وفي دمشق، أفادت «الوكالة السورية للأنباء» (سانا) أن مجلس جامعة الدول العربية «يتجه وبمبادرة سورية إلى تبني بيان يرفض جميع أشكال التدخل الأجنبي في ليبيا، ويؤكد ضمان وحدة التراب العربي الليبي». ونقلت عن مندوب سورية في الجامعة العربية يوسف الأحمد قوله في اجتماع المندوبين أمس إن «تدخلات القوى الغربية في الشأن الليبي لا تنطلق من مبدأ حماية الشعب الليبي ومصالح ليبيا الوطنية بقدر ما تراعي مصالح وأجندات هذه القوى الغربية». وعلى صعيد الوضع الميداني في ليبيا، قالت مصادر المعارضة في الشرق ل «الحياة» إن القذافي عرض إيفاد رئيس استخباراته أبوزيد دوردة للتفاوض «لكننا رفضنا». وفي مدينة الزاوية على بعد 60 كيلومتراً غرب طرابلس وقعت مواجهات دامية ليلة أول من أمس بين المحتجين والقوات الموالية للقذافي انتهت بسيطرة المحتجين على المدينة وطرد كتائب القذافي منها لتحاصرها من كل الاتجاهات لمنع تحركها في اتجاه طرابلس. وفي حين أكد شهود ل «الحياة» أن المحتجين تمكنوا أيضاً من صد هجمات عنيفة شنتها القوات الموالية للقذافي على مصراتة، شرق طرابلس، أوردت «فرانس برس» أن تعزيزات عسكرية موالية أُرسلت الثلثاء إلى المناطق المحاذية لجنوب تونس، بعدما كانت غادرتها الأحد والاثنين. ومرت هذه التعزيزات بقرب مدينة نالوت التي كانت خرجت قبل يومين من سيطرة العقيد الليبي، كما عادت القوات الموالية للقذافي للإمساك بمعابر حدودية مع تونس. وفي الشرق بدأ الثوار يتحصنون بشكل منظم بعدما تشكّل في بنغازي مجلس عسكري يضم 15 ضابطاً يمثّلون فروع القوات المسلحة. وقال قائد عسكري في بنغازي ل «الحياة» إن المجلس لن يتفاوض مع النظام.