هو أبيض صافٍ نقي كقلوب الأطفال وكطهارة العائدين من الحج عندما يغسلهم الله من الذنوب وكغيمة صيفية عابره ألقت بظلها الخفيف على من لفت وجوههم أشعة الشمس الحارقة، يعلوه أحمر قانٍ تذكرك حمرته بدماء الشرفاء الذين اختلطت دماؤهم بتراب الأرض فترى الغصن من شدة ارتوائه يشق جوف الأرض كأنما المياه تتفجر من قلب الصور الصلداء وذاك أسود يزيد البياض عزاً وكبرياء. يا لها من ألوان تجعلني وكأنني أرى علم مصر للمرة الأولى وكأن عينيي لم تقع أبداً على هذه الألوان من ذي قبل. فاليوم حلفنا بسمائها وترابها وبصفاء نيلها وطهارة أطفالها. حلفنا بالفقراء والمساكين أن لا يبقى بعد على أرضها جبار شقي يشقي الناس ويلاحقهم في لقمة العيش كأنما يلاحق الذئب فريسته. حلفنا أن ننتزع مصرنا من بين فكيه انتزاعاً. سامحينا أمنا فقد عذبناك وتعذبنا وتغربنا ونحن نعيش بين جنباتك. قديماً قالوا عنك أم الدنيا وظل هذا اللقب متوارثاً بيننا حتى الآن، ولكنني لم أكن أفهم كيف يطيق للأم أن تعذب أبناءها وترمي بهم في مفاتن الهموم كيف للأم أن تأكل أبناءها حين تجوع؟ لم أكن أفهم لكني اليوم فهمت. كنا نرى الوحوش تأكل لحمك وتشرب من نيلك كؤوس دماء، كنت مكبلة بالسلاسل والقيود حتى انهالت دموعك أنهاراً. قومي أمنا من تحت الركام من بين الحطام. قومي. فإن لدى أبنائك عناداً وإصراراً على الحياة يحطم كل عناد على التجبر والتغطرس. أماه سيجري النيل مختالاً بكبريائه وشموخه ويشق أراضيك وينثر الفرح ويضمد الجراح، أماه اعذري من لم يعرفك جيداً سامحيه فلم يسمع يوماً قلبك النابض بالحريه ولم تخطو قدماه يوماً ترابك. أماه لم يعد لدي سوى الدموع أذرفها فرحاً بعودتك الى قلب العروبة فأنت كنت وما زلت وستبقين أم الدنيا، يا حبيبتي يا مصر.