أكدت الكاتبة سالمة الموشي أنها تكتب من أجل أنسنة نون النسوة، بعد أن فقدت الإنسان كاملاً، مشيرة إلى أن النساء موشومات بنصف عقل ونصف كينونة. وتقول إن الكتابة بالنسبة إليها وعي الحياة من حولها، شكل المصير الذي تخوض فيهوترى في حوار مع «الحياة» ان النسوية هي فلسفة علاقة الإنسان ببنية الحياة التي تشكله وتؤثر فيه. لافتة إلى أنها ضد تصنيف الإبداع وأن الكتابة هي حالة وعي بالذات، مشددة على أنها تريد أن تنتج وعياً وليس كتباً فقط. إلى تفاصيل الحوار: في كتابك «نساء تحت العرش» وقبله «الحريم الثقافي» كيف تختار سالمة الموشي النص الذي تكتبه؟ - تتشكل بذهني ملامح الكتابة التي أقدم على اقترافها بكثير من الحب الكبير والتعب الكبير، كمرحلة أولى ومن ثم اختار النص الذي سأدونه على الورق، الكتابة بالنسبة إلي هي وعي الحياة من حولنا، شكل المصير الذي نخوض فيه ولهذا كان اختيار نص «نساء تحت العرش» وهو تعبير مجازي عن المصير الذي تعيشه النساء على امتداد الزمان والمكان تحت سماوات كونهن. جميعنا نحيا تحت عرش السماوات ولكن كيف نحيا هذا هو السؤال. فأنا أكتب لأنسنة نون النسوة حيث فقدنا إنساننا الكامل ومضينا كنساء موشومات بنصف عقل وبنصف كينونة وبكثير من الأسئلة والصمت. تعملين بجدية على أنسنة نون النسوة هل أنت كاتبة نسوية؟ - إن كان بحث الإنسان عن تفسير لمعطيات حياته ككائن نوعي، أو خوضه في تفاصيل نمط الحياة المتاحة هو «نسوية» فنعم أنا «كاتبة نسوية» امتلك أدواتي ولي فلسفتي الخاصة لكل المبادئ والأفكار التي أتبناها. فالنسوية كخطاب هي فلسفة علاقة الإنسان ببنية الحياة التي تشكله وتؤثر فيه. لست مع تصنيف الإبداع الكتابة هي حالة وعي بالذات، الوعي هو ميزة الكاتب أريد أن أنتج وعياً وليس كتباً فقط. فالكتب والأوراق تبلى وقد توضع على أرفف المكتبات، لكن الوعي هو ديمومة واستمرارية وبقاء. عنوان الكتاب «نساء تحت العرش» مشوّق للقراءة هل ترين أنه سيحقق هدفه وإلى أي حد سيسهم في التغيير؟ - يؤثر الأدب في البنية الروحية تماماً كما الفكرية وعلى هذا أراهن. ذكرت من قبل أن كتابي سيكون بمثابة دليل لكل النساء لا ادعي القدرة على التغيير الكبير، إنما لدي القدرة لأقول عبر «النص المكتوب» هنا شيء ما يحدث «وهنا طريق ما يمكننا عبوره» طرح الخيارات للقارئ هي في حد ذاتها تغيير، وهدف هذه الخيارات يجب أن تمس روح الإنسان الذي يرغب في أن يقرأ نصاً يقول له: «أنت حر» بعكس نص يقول له كن كذا وكذا. كتب كثيرة لا تحقق انتشاراً بعكسك كتب حققت انتشاراً كبيراً العبرة ليست بالانتشار والكثرة، هناك كتب كتبت لتكون مدعوة لحفلة احتفاء عامرة وبعضها كتبت لتكون في قلب التاريخ والفكر. وهذا هو مقياس التغيير. من المهم ألا نقيس أهمية أي كتاب بزمن انتشاره، بخاصة إن كان يخاطب العقل والوعي، فهناك كتب سوقت وروج لها بشكل منقطع النظير، ولكن ما أن تتوقف الجوقات عن التصفيق والتطبيل حتى يبهت بريق الورق وتذهب العناوين الكبيرة ويبقى المعنى والوعي. بالنسبة إلى أي حد سيحقق كتابي هدفه أو سيسهم في التغيير فأنا لا استطيع أن أتنبأ به تماماً، إنما أقول إني كتبت مؤمنة بما أكتبه ورسمت خريطة طريقي إلى حيث يكون المعنى والوعي حقيقياً. ما الذي يحملك إلى الكتابة؟ -الكتابة لحظة تنوير تحدث في الوعي، اكتب لأني اكتظ بالكثير من الاغتراب والقلق والألم وعدم القدرة على الصمت أمام ما يحدث حولي أحاول أن أوسع دائرة الكتابة فأجعل قلمي مشرطاً يمس ثقافة الظلمة وثقافة القهر، الكتابة تحررني من اغترابي الداخلي وتحرض حواسي على منطق التفكير، الكتابة بالنسبة إلي معبر إلى أشياء أخرى فكل ما اكتبه انتمي إليه لهذا اكتبه لأرفضه أو اكتبه لأخلق بديلاً عنه. ما الملهم في العناوين التي تحملها كتبك، بخاصة وأنها جريئة وتذهب بعيداً في المشاكسة؟ - كل عنوان كتاب عليه أن يكون منسجماً مع محتواه، والعنوان كما نعلم مهم جداً مثلما هو صورة الغلاف كذلك. ومن هنا لا بد أن يكون محرضاً ومعبراً في الوقت نفسه. فالقارئ يبحث بداية عن عنوان ومن ثم على العنوان أن يكون ضمن اهتمامه. فالقارئ يتساءل: هل من أحد رأى النقصان؟ ومن هن النساء اللواتي تحت العرش؟ كان هذا هو الملهم في عنوان كتابي، إضافة إلى اختياره ليكون معبراً عن المعنى تماماً. هل النساء اللواتي تكتبين لهن وعنهن، مقهورات أو مغيبات فكرياً؟ - هن مزيج من هذا وذاك، هن ُ موجودات حقيقة ولكن اختلاف نظرتهن إلى أنفسهن هي المغيبة، فالمقهور المبخس حقه قد لا يعلم أنه كذلك والمغيب فكرياً لا يعي انه كذلك، هناك تماه كبير بواقعهن يجعلهن منسجمات ظاهرياً مع نمط الحياة المعاش سواء علمنا به عن وعي أم من دون وعي. الفكرة تكمن في لحظة الوعي التي قد تكون بمثابة وعي شقي، لأنه يصعب الخلاص مما وعين عليه ولهذا يصبح وعياً شقياً. نسائي اللواتي أعيش بينهن واكتب لهن وعنهن حقيقيات وموجودات ولسن بالضرورة قادرات على رؤية منطقتهن. ولكني سأكتب عنهن وسأكتب لهن ولن أتوقف عن الكتابة، فأنا أتحرك ضمن دائرتهن بحثاً عن قوة لتغيير شيء ما. ثمة أبواب كثيرة مغلقة على النساء، ووراء كل باب هناك روح امرأة مغيبة ومنتقصة. في داخلك جموح واندفاع كبير، في المعنى الإيجابي للكلمة، باتجاه قضايا مصيرية، قضايا لا تقبل المساومة، حدثيني عنك؟ - من الصعب أن يختصر الإنسان من يكون على وجه التحديد، إنما أنا روح محلقة لا انتمي لأية توجه وقلم حر. أكتب ما أؤمن به وأناضل كثيراً وطويلاً لأكون خارج أسوار الحريم وخارج الهامش. أناضل من أجل أن اكتب بعض صفحات كل يوم، الأرض ضيقة علي وسماواتي عالية كثيراً، متحررة في الوقت الذي لم أتمكن من أن أتحرر دفعة واحدة فالأشياء العظيمة لا تحدث بسهولة. أؤمن بأن الإنسان الكامل يخلقه وعينا وبأن خلاص هذا العالم يكمن في السلام واللاعنف. هل تحلمين كما حلمت فرجينا وولف، في كتابها «غرفة تخص المرء وحده» وهل أتعبتك السباحة ضد التيار؟ - أحلامي اكبر من حلم فرجينا وولف، هي تحلم بغرفة تخص المرء وحده لتكتب وأنا أحلم بوطن لأكتب فيه وله، لهذا فأنا أفوق فرجينيا وولف في حلمها كثيراً. شتان بين من يحلم بأن يكتب في غرفة وبمن يكتب في وطن. الفارق بيني وبين وولف أنها انتحرت وهي تضع الحجارة في ملابسها لتغرق أكثر في النهر، بعكس ما يحدث لي حيث أرغب في الحياة وفي رمي كل الحجارة التي تثقلني لأكتب. السباحة عكس التيار أصعب مما تبدو عليه، انها تجديف ضد قوة تفوق احتمال الإنسان أياً كانت أهدافه. في كتابك إشارات دينية كثيرة يجعله كتاباً فكرياً أكثر من كونه كتاباً موجهاً إلى النساء؟ - بداية الكتاب ليس موجهاً للنساء فقط، هو كتاب موجه للقارئ الذي يقرأ بوعي بمعنى ليس قارئاً مصنفاً أو محسوباً على أي اتجاه فكري. ثم لماذا هناك اعتقاد دائم أن أي كتاب يوجه للنساء لا بد أن يكون إما كتاباً دينياً بحتاً أو كتاباً موجهاً تماماً. نعم في الكتاب إشارات دينية لأنه كتاب يخاطب العقل والفكر ويقارب الوعي والمنطق. ببساطة انه كتاب قائم على قراءة ثقافية ذات بعد خاص أكثر من كونه بحثاً عن إجابات دقيقة.