في زمن الثورات والغضب وعلى مفترق طريق الصراع هناك فرصة للسلام، يقتنصها فقط من يحسن قراءة واقعه بلا ضبابية الشعارات المستهلكة وتغييب الواقع، المطالبة بقيم الحرية والحقوق والعدالة الاجتماعية ومشاركة الجميع في أوطانهم ليس بالضرورة أن تجلبها ثورة ما بل يمكن أن تتحول إلى واقع بإرادة سياسية واعية... أن يستمر تدوير مطالبات الناس والضعفاء والنساء هو أمر يدعو إلى الخوف، الشعب الذي أصبحت حاجاته أكبر وأوسع من ممارسات إداراته الحالية يتيح الفرصة الآن عبر سلسلة من المطالبات العادلة لصانعي القرار لسماع صوته، اليوم تحضرنا بين مشاهد الغضب الشعبي وصراع السلطات العربي الدامي كيانات غامضة تحمل لقب المجتمع الدولي، تستحضرها نداءات استغاثة من جانب السلطات أحياناً والشعوب أحياناً أخرى، كل منهما يعتقد بأن هناك جهة ما في الخارج تحمي مطالبه وتدعم موقفه، لو بذل المجتمع الدولي كل الجهود وأصدر البيانات والبعثات الديبلوماسية لمصلحة شعب ضد سلطة أو بالعكس فلن يتجاوز دوره المرسوم له في دروس التاريخ وفي الواقع وهو الوقوف مع المنتصر، أو مع من يحقق له مصلحة ما. لم يعن السياسة الأميركية ما أبرزته تقارير التنمية العربية الصادرة عن باحثين مستقلين بواسطة الأممالمتحدة، التي أبرزت تهالك معدلات التنمية البشرية العربية، ولكنها يجب أن تدق لنا أجراس الخوف، في التقرير الصادر في العام 2002 كانت سياسات ثلاثة تهدد معدلات التنمية البشرية بشكل خطر، نقص الحريات، ونقص التعليم، وضعف سياسات تمكين النساء، العام 2009 رصد تقرير الخبراء من جديد الأثر الأهم للنقص في النواحي الثلاثة السابقة وهو نقص الأمن، يتساءل واضعو التقرير: لماذا كانت العقبات التي تعترض سبيل التنمية البشرية في المنطقة عصيّة على الحل؟ وتكمن الإجابة، بحسب التقرير، في الهشاشة التي تجتاح عالمنا العربي في كل ناحية، هشاشة البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وعدم تمحور السياسات حول الإنسان، وبالتأكيد فغياب التنظيمات السياسية القوية العادلة والممثلة لرغبات الشعوب ستجلب المزيد من الاستبداد وستصنع لبنة الثورة، ستصنع واقعاً بديلاً عن البرلمانات المنتخبة في الخفاء وعلى الشبكة العنكبوتية، كما حدث أخيراً، وستتحول اللبنة الأولى للسخط إلى الكرة الثلجية الضخمة التي تجرف أمامها كل شيء. غياب السياسات الاجتماعية سيفاقم مشكلاتنا وسنصحو يوماً على كوارث تتعدى قدراتنا الإنسانية على الإصلاح، البطالة هي التهديد الأكبر مع وجود أكثر من 50 في المئة من الثروة البشرية تحت سن ال «20 عاماً» سيحتاجون كلهم احتواء ما في سوق العمل بحلول 2025 بخلق ملايين الوظائف، هذا في الوقت الذي لم يتم فيه توظيف واحد من كل خمسة خريجين هنا وليس في المستقبل، بحسب أكثر التقديرات تفاؤلاً، لن يختلف الأداء بمنح الأموال بلا تغيير أساليب الإدارة والعمل، ما تم منحه على مدار عقود لم يسهم سوى في خلق الواقع المتهالك في الصحة والعمل والبلديات والتعليم، شخصياً لا أمانع أن أتحول إلى عضو منتج يدفع الضرائب إن كانت ستنمحني تعليماً أفضل وعلاجاً أجود وأمناً أكبر، أفضل أن أكون منتجة على بطالة مقنعة، أو على أن أتلقى زيادة ما في مبلغ الضمان الاجتماعي الهزيل الذي يقرره لي شخص ما منفصل عن واقعي بسنوات ضوئية، المشاركة السياسية وحدها تضمن لنا تحويل هذه البنى التحتية في كل مجال من وضعها الحالي الهش إلى وضع عادل متناسب مع موارد البلاد. وعلى رغم تحفظي على تبني رمزية الشباب كجهة معينة للمطالبة، وتحفظي على اتخاذ السن معياراً لكفاءة الوزراء، إلا أنني أضم لهم صوتي كمواطنة قبل كل شيء وأدعو القائمين إلى انتهاز فرصة السلام ورفع مستوى التعاطي مع المواطنين إلى سقف توقعاتهم، وإلى تمكين النساء اللائي ننادي دوماً بتكريمهن، وإلى استقبال المطالبات بجدية وتفعيلها لأنها صمام الأمان الوحيد، وأدعوهم إلى تحويل منعطف التاريخ هنا للمستقبل بدلاً من حشره في قوالب جامدة، سياسة الانتظار تحت مختلف الذرائع لن تقدم لنا سوى فاتورة أكبر ثمناً لمشكلات لم نتلافها في المهد، هل نلتقط أجراس الخوف وننتهز فرصة السلام؟ * كاتبة سعودية. [email protected]