في لقاء قصير أجري بعد إطلاق سراحه بانتظار صدور الحكم في أيار (مايو) الماضي، ظهر جعفر بناهي على الشاشة الصغيرة وهو يتنشق هواء الحرية في بيته. بدا نحيلاً ومتعباً. تحدث، عن ظروفه في السجن، قال أنهم استدعوه يوماً من الزنزانة ليطرحوا عليه سؤالاً: «ما هو العنوان؟». رد متسائلاً «أي عنوان؟!». «الفيلم» أجابوا. شرح بأنه لم ينه الفيلم بعد وحين ينهيه سيضع له عنواناً. كان مخطئاً في تقديره، فهم يسألون عن الفيلم الذي تناهى إليهم أنه يصوره خفية في الزنزانة! أدرك في ما بعد مصدر الخبر الكاذب الذي وصلهم. «كنت أقول للمساجين عن حياتي في السجن». إنه فيلم حياتي، سمع السجانون وظنوا أنني أدخلت كاميرا خفية وتخيلوا أنني أصنع فيلماً». تابع بناهي «كل ذلك من خيالهم وناجم عن خشيتهم من السينما (...)، حتى الحديث عن السينما قد يكون جريمة وبسبب هذا قد أعود إلى السجن. لكنني لا أستطيع التوقف عن الحلم، لا أعيش إلا بتحقيق الأفلام، الآن أصنع أفلامي في أحلامي». بثت محطة «آرت» الفرنسية الألمانية مؤخراً هذا اللقاء ضمن أمسية خصصت للمخرج الإيراني، تم ذلك ترافقاً مع حملة تضامن فرنسية وغربية مع جعفر بناهي ومحمد رسولوف ضد الحكم الصادر بحقهما بالسجن ست سنوات وبمنع بناهي من العمل السينمائي لمدة عشرين عاماً. الحملة هي مبادرة دعي إليها مهرجان «كان» وجمعية المؤلفين والسينماتيك الفرنسية وتم التوقيع على بيان بهذا الخصوص من اكثر من عشرين ألفاً من كبار ومشاهير الشخصيات الفنية والأدبية من العالم اجمع. وفي إطار الحملة تنظم السينماتك في باريس برنامجاً يومياً خلال شهر شباط (فبراير) الجاري لاستعادة أفلام بناهي ورسولوف. وكان المخرج الإيراني المقيم في فرنسا رفيع بيتز صاحب «إنه الشتاء»، وجه دعوة لجميع السينمائيين للتوقف عن العمل ساعتين في 11 من الشهر الجاري، لما يمثله هذا التاريخ من معانٍ، فهو ذكرى الاحتفال بالثورة الإيرانية، ويوم نهاية مهرجان فجر السينمائي في طهران وبداية مهرجان برلين. لقد تمت إدانة مخرج بسبب فكرة وليس بسبب فيلم، و «هذا سبق في منتهى العنف» يقول بيتز، الذي وجه أيضاً رسالة مفتوحة إلى الرئيس أحمدي نجاد يدعوه فيها لإطلاق سراح بناهي ورسولوف. هذه الاحتجاجات على الحكم الصادر بحق بناهي، تقودها المهرجانات الدولية مثل كان والبندقية وبرلين التي خصصت مقعداً فارغاً له في لجنة التحكيم. في بلد كإيران، تثير تحركات كتلك ريبة البعض كما هو معروف، وقد تعتبر دليلاً ضد المخرج الشهير، كما تشكل في نظرهم تدخلاً في الشؤون الداخلية وهم يبدون حساسية بالغة في كل ما يتعلق بالضغوط الغربية، ففي مهرجان برلين انسحب الوفد الإيراني من الحفل كإشارة احتجاج على المقعد الفارغ لبناهي وأصدرت الوزارة بياناً قالت فيه، بحسب ما نشرته صحيفة «تهران امروز» (طهران اليوم)، «بالنظر إلى الموقف السياسي الذي اتخذه مهرجان برلين، فإن الوفد الإيراني ترك القاعة احتجاجاً. لقد حاول المهرجان أن يتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية وكان موقفه انتقاصاً تجاه القوانين في بلدنا» واعتبر البيان أن التصرف جاء «إهانة لثقافتنا وفننا وسينمانا». لكن هذا البيان الحازم لا ينفي الموقف الرسمي للحكومة والوزارة المتضامن مع قضية بناهي. فقد صرح اسفنديار رحيم مشائي مدير مكتب الرئيس الإيراني في 18 كانون الثاني (يناير) بعد صدور الحكم على بناهي بأنه «لا يقاسم قضاء بلده الرأي في منع بناهي من العمل لمدة طويلة» وأكد أن لرئيس الجمهورية الموقف نفسه «السيد بناهي أوقف من قبل السلطة القضائية ولم يكن هذا بتعليمات من رئيس الجمهورية ولا الحكومة». كما أكد مسؤولون حكوميون في إيران أنهم يعارضون الحكم على المخرج ولكنهم يعتبرون أن قضيته تتعلق أولاً وأخيراً بالسلطة القضائية. وتصب تصريحات وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي ومعاونه لشؤون السينما كلها في الخانة ذاتها «الأسف على الحكم الصادر على بناهي وعدم موافقتهم عليه». أيضاً في حفل رسمي، وهو افتتاح مهرجان فجر الأخير في شباط (فبراير)، لم يتوان السينمائيون في إيران عن الإعلان عن الدعوة إلى إعادة النظر في الحكم على بناهي، وطالب المخرج مسعود كيميائي السلطة القضائية إعادة النظر في ملف بناهي مذكراً بأن هذا الأخير جلب الكثير من الجوائز الدولية لإيران، كما طالبت بوران ديرخشنده المخرجة الإيرانية والعضوة في لجنة تحكيم المسابقة الدولية، وزير الثقافة التدخل من أجل بناهي. لكن التحركات الغربية لا تعير التفاتاً إلى تصريحات السلطة التنفيذية في إيران تلك، ولا تبدي اهتماماً بتباين الرأي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في هذه القضية فالحكم القاسي لا يدع مجالاً للانتباه إلى التفاصيل وإلى حساسية الوضع الإيراني.