هل تقرأ النساء حقاً أكثر من الرجال؟ هل أصبح القارئ قارئة كما يروج الآن في الغرب؟ هل باتت قراءة الروايات عادة نسوية كما تزعم إحصاءات وأبحاث راهنة؟ هذه الأسئلة وسواها يطرحها الباحث الفرنسي فانسان مونادي، رئيس «المركز الوطني للكتاب» في فرنسا، ويجيب عنها في كتاب له صدر حديثاً عنوانه «كيف تجعلين الرجال في حياتك يقرأون؟» (منشورات بايو- باريس) وبات أشبه ب «بيان» حول حال القراءة في فرنسا وأوروبا نظراً إلى ما يحمل من خلاصات وأفكار مثيرة. ولم يتوجّه المؤلف عبر عنوان كتابه إلى النساء إلا اعتقاداً منه بأنهن القارئات الحقيقيات اليوم، لا سيما في حقل الرواية، وهنّ قادرات فعلاً على «توريط» الرجال في «ارتكاب» هذا الفعل الجميل. لا يبالغ المؤلف في مقولاته هذه وفي الخلاصات التي انتهى إليها، فهو صاحب خبرة طويلة في عالم الكتب والإحصاءات انطلاقاً من موقعه في «المركز الوطني للكتاب» المعني بأمور القراءة والقرّاء. فصعود ظاهرة المرأة القارئة ليس وقفاً على فرنسا وأوروبا بل هو يشمل بلداً مثل الولاياتالمتحدة التي تروّج فيها كما يشير الملحق الأدبي في جريدة «لوفيغارو» صرعة «السرد النسائي» أو الروايات الموجّهة إلى النساء اللواتي يشكّلنَ شريحة كبيرة جداً من القراء، مثلها مثل الروايات الموجّهة إلى السود والمثليين والمهاجرين الأميركو- لاتينيين وحتى إلى الجاليات الإسلامية تحت شعار «سلام ريدز» أو «روايات حلال»... ولكن ما لا يمكن التغاضي عنه هو رواج ظاهرة القراءة النسوية أو الأنثوية في بلدان عربية عدة ولا سيما في الخليج التي ظهرت فيه نواد للقراءة تديرها سيدات وأعضاؤها من النساء مثل «الملتقى» و «بحر الثقافة» في الإمارات. وتُقبل هذه النوادي على شراء الروايات العربية والمترجمة أحياناً، وتقيم حلقات نقاش تشارك فيها قارئات من شتى الأعمار والاختصاصات. وتروي الناشرة رنا إدريس، مديرة دار الآداب المعنية بنشر الأعمال الروائية ل «الحياة»، كيف أن الفتيات والنساء هنّ الأكثر إقبالاً على شراء الروايات ويمثّلنَ إحدى القوى الشرائية في المعارض العربية، خصوصاً الرياضوجدة والشارقة وأبوظبي... لكنها تلحظ أنّ هذه الظاهرة غير بارزة في معرض القاهرة مثلاً، فالرجال هناك يشترون الكتب أكثر من النساء. يرى فانسان مونادي أن المرأة تظل على علاقة بالكتب ولا سيما الروايات طوال حياتها، وقد لا تنقطع عنها إلا في فترات الأمومة ورعاية الأبناء، لكنها لا بد أن تعود إلى القراءة ما إن تنتهي واجباتها الأمومية. وقراءة المرأة «متعة القراءة» ليس لأنها تقرأ الروايات وأحياناً الروايات «العاطفية» فقط، بل لأن القراءة تمثّل شغفاً في حياتها وتملك طقوسها الخاصة في يومياتها، وكم من قارئات يروّجنَ روايات شفوياً أي عبر الحديث بعضهن مع بعض. وأظهرت دراسة لباحثتين من جامعة «ستافنجر» في النروج أن القارئة الأنثى تملك قدرة أكثر من الرجل على التكيُّف مع كتب معينة (قصص، مذكّرات، تحقيقات) وكذلك الروايات الطويلة. ويرى الباحث الفرنسي أن الرجال غالباً ما يميلون إلى الروايات البوليسية والخرافية - العلمية (سيانس فيكشن) والأشرطة المصوّرة، إضافة إلى كتب التاريخ والكتب العلمية والكتب «العملية» ذات المنفعة المباشرة. وما فاجأه خلال بحثه أن الفتيان يبدأون في التخلي عن القراءة بين الثالثة عشرة والرابعة عشرة في شكل مفاجئ وغير واضح تماماً. يقول: «المدرسة تعلّمنا قراءة الكتب ولكن ليس حبّ القراءة». وفي تحقيق أجراه الملحق الأدبي في «لوفيغارو» بدت آراء ناشرين فرنسيين مطابقة لأفكار الباحث، بل إن التحقيق رصد أيضاً احتلال النساء حقل النشر. والرقم الذي يستخلصه مونادي، أن سبع نساء بين كل عشرة أشخاص يقرأنَ الرواية، ما يعني أن ثلاثة رجال بين العشرة هم قراء رواية. ولا تبتعد عنه مديرة سلسلة كتاب الجيب (قرأت) الفرنسية الشهيرة في إحصاء 71 في المئة من النساء يشترين الروايات. النساء يقرأنَ أكثر من الرجال. النساء هنّ اللواتي يستهلكن قراءة الروايات. لعل كثيرين لن يصدّقوا هذا الافتراض ولو كان مستنداً إلى أبحاث وإحصاءات.