تفاقمت الأوضاع الأمنية في ليبيا أمس، في اليوم الثاني لما أُطلق عليه «ثورة المختار»، وتحدث معارضون عن سقوط عشرات القتلى وخروج مناطق واسعة من شرق البلاد من يدي قوات الأمن الموالية لنظام العقيد معمر القذافي، وعن تمدد الاحتجاجات إلى زنتان ورشبان في غرب البلاد أيضاً. ووردت تقارير مساء أمس عن بعض الإضرابات في طرابلس نفسها وضواحيها (مثل أبو سليم)، لكن بدا أن قوات الأمن تُحكم سيطرتها على الأوضاع. وقال جاي كارني الناطق باسم البيت الأبيض إن الرئيس باراك أوباما يشعر «بقلق بالغ» إزاء أنباء العنف الواردة من ليبيا وحضها على التحلي بضبط النفس في التعامل مع المحتجين. وقال إن أوباما قلق للأوضاع في ليبيا والبحرين واليمن وإنه حض الدول الثلاث على ضبط النفس. وكان لافتاً أن أعضاء حاليين وسابقين في «الجماعة الإسلامية المقاتلة» أصدروا مساء أمس بياناً أعلنوا فيه انضمامهم إلى الاحتجاجات ضد نظام العقيد القذافي وقالوا إنهم ينحازون إلى الشعب. وموقف هؤلاء له دلالاته خصوصاً أنه يأتي بعد أيام قليلة من إفراج السلطات عن قرابة 110 من سجناء الجماعة بينهم إثنان من أبرز قادتها. وقال مصدر ليبي معارض ل «الحياة» إن «المواطنين كانوا يسيطرون (أمس) في شكل كامل على مدينة البيضاء» التي تبعد قرابة 1200 كلم شرق طرابلس. وبثت قناة «العربية» ان المحتجين شنقوا رجلي أمن في المدينة. وقال المصدر الليبي إن «مواجهات عنيفة جداً تدور الآن (بعد ظهر أمس) في شحات» وهي بلدة إلى الشرق من البيضاء كانت قوات الأمن تتقدم منها لاستعادة السيطرة على المدينة. وتابع أن قوات الأمن التي تتواجه مع المحتجين في شحات تتبع «كتائب الجارح» و «كتيبة خميس»، في إشارة إلى الكتيبة التي يقودها خميس القذافي، نجل الزعيم الليبي. وقال المصدر أن قوات الأمن استعانت ب «مرتزقة أفارقة» لقمع المحتجين في بنغازي لكن الأخيرين ردوا بالسيطرة على أجزاء واسعة من المدينة التي تُعتبر كبرى مدن الشرق. وتابع أن المحتجين «يسيطرون كذلك على مدينتي درنة وأجدابيا»، وهما من معاقل الإسلاميين في الشرق. ومعلوم أن درنة كانت المدينة الليبية الأولى «تصديراً» للمتطوعين المشاركين في «الجهاد في العراق». وتتقاطع معلومات المصدر الليبي الذي تحدث إلى «الحياة» مع معلومات واسعة متقاربة وزّعتها جماعات المعارضة المختلفة على مواقعها على شبكة الإنترنت. وعلى رغم إجماع مصادر المعارضة على القول إن البيضاء «باتت في يد الشعب»، إلا أن الأنباء الواردة مساء تحدثت عن أرتال من الدبابات والعربات العسكرية كانت تتجه من مدينة سرت في اتجاه مدن الشرق لاستعادة السيطرة عليها. وأعرب معارضون عن مخاوفهم من وقوع عدد كبير من الضحايا في حال استخدمت قوات الأمن الرصاص الحي على المحتجين. ونقلت صحيفة «أويا» الليبية القريبة من سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي على موقعها الالكتروني إن التظاهرات ضد النظام الليبي أسفرت عن عشرين قتيلاً على الأقل في مدينة بنغازي وعن سبعة قتلى في درنة. لكن مصدراً مطلعاً في طرابلس قال ل «الحياة» هاتفياً أمس إن العقيد القذافي أصدر توجيهات واضحة بعدم استخدام القوة مع المحتجين، لافتاً إلى أن وزارة الأمن العام (الداخلية) التي يتولاها عبدالفتاح يونس (أحد الضباط الأحرار الذين أطاحوا النظام الملكي العام 1969) سارعت إلى تنحية عميد في الأمن في البيضاء بسبب استخدام عناصره القوة المفرطة مع المحتجين. وتابع المصدر أن هناك بالفعل اضطرابات في عدد من مدن الشرق «لكن الوضع لم يخرج عن نطاق السيطرة». ولفت إلى أن موافقة العقيد القذافي على إرسال ابنه الساعدي إلى بنغازي تؤكد اطمئنانه إلى أن الأوضاع ليست بالخطورة التي تتحدث عن فصائل المعارضة. كذلك لفت إلى أن مشاركة القذافي نفسه في التظاهرة الحاشدة في قلب طرابلس، ليل الخميس، تؤكد أنه لا يخشى أن تتكرر تجربتا تونس ومصر في ليبيا. وكشف أن القذافي كان قد قابل الأسبوع الماضي ممثلي العديد من قبائل الشرق الليبي الذين أعادوا مبايعته مؤكدين له أنهم لن يشاركوا في الاحتجاجات ضد نظامه. وقال إنهم نقلوا إليه سلسلة مطالب وشكاوى من ظلم يعتبرون أنه لحق بهم وبمناطقهم، وإن القذافي شعر بأن بعض هذه المطالب محق وأن هناك حيفاً يلحق بالفعل ببعض المناطق ووعد بتلبية حاجاتها. لكن مصدراً معارضاً قال إن ضغوطاً كبيرة مورست على هذه القبائل للمجيء وإعادة تأكيد ولائها للقذافي.