منذ إطلاق رؤية الربط الإقليمي في مجالات الطاقة قبل نحو سنتين، خطت سورية عدداً من الخطوات الملموسة لربط شبكتي الغاز والنفط مع العراق وتركيا والأردن والدول الإقليمية الأعمق مثل إيران ومصر وأذربيجان. ووقعت دمشق عدداً من العقود مع عدد الدول لتحويل رؤية الربط بين البحور الخمسة (الأحمر، المتوسط، قزوين، الأسود والخليج العربي) الى واقع ملموس. جنوباً، ترتبط سورية ب «مشروع الغاز العربي» الذي يمتد من مصر الى الأردن بطاقة قدرها عشرة ملايين متر مكعب، يضاف إليها نحو 2.5 مليون متر تمرر الى سورية (توقفت خلال الأزمة الأخيرة في مصر) ونحو مليون متر تذهب الى لبنان، وهي توقفت في الأسابيع الأخيرة بسبب خلافات حول دفع قيمة الغاز بين بيروت والقاهرة. وقال وزير النفط السوري سفيان علاو، في حديث الى «الحياة» أجري قبل توقف إمدادات الغاز: «نأمل أن تزداد الواردات الغازية من مصر الى ستة ملايين في المستقبل». وكانت سورية مدت «أنبوب الغاز العربي» من حمص، وسط البلاد، الى طرابلس اللبنانية. وكان مقرراً مد أنبوب من حمص الى الحدود التركية بطول يصل الى نحو 220 كيلومتراً، على اعتبار ان التفكير كان بربط «مشروع الغاز العربي» بشبكة أوروبا التي كانت تبحث عن بدائل لتخفيف الاعتماد على الغاز الروسي. وأوضح علاو: «طالما أنه ليست هناك اتفاقات لنقل كميات كبيرة وعدم وضح الرؤية كاملة حول إمكانيات التزويد بالغاز من مصر، تبين ان تنفيذ هذا الجزء من حمص الى الحدود التركية سيكون مكلفاً وغير مبرر اقتصادياً». عليه، جرى العمل على ربط شبكتي سورية وتركيا على خلفية وجود توجه معاكس بحيث يأتي الغاز من تركيا والدول المجاورة لها الى سورية جنوباً. ويجري العمل حاليا لمد أنبوب بطول 62 كيلومتراً من حلب الى كلس قرب الحدود مع تركيا، بالتوازي مع الإفادة من الشبكة الموجودة حالياً داخل الأراضي السورية لربط شبكتي البلدين. وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وعد خلال الاجتماعات الأخيرة ل «المجلس الاستراتيجي» مع سورية، بتنفيذ القسم المتبقي في أراضي بلاده بطول 90 كيلومتراً من نقطة تورك اوغلو التركية الى الحدود مع سورية، خلال العام الجاري. ويسمح ذلك باستيراد سورية الغاز من أذربيجان وإيران بطاقة قدرها نحو ثلاثة بلايين متر مكعب سنوياً، على اعتبار ان سورية وقعت عقداً لاستيراد 1.3 بليون متر مكعب سنوياً من أذربيجان. ويوضح وزير النفط السوري: «سعينا للتوقيع مع إيران لشراء نحو 1.5 بليون متر مكعب من الغاز عبر خط الغاز من الشبكة التركية، لكن لم نستطع الاتفاق على سعر. كان السعر الذي يطلبه الجانب الإيراني أعلى باعتبار ان كلفة النقل مرتفعة للغاز المستورد من تركمانستان». أما العراق، فهو «موضوع آخر» بالنسبة الى وزير النفط السوري. ونقطة البداية، ان لدى العراق حالياً فائضاً تصديرياً قدره 100 ألف برميل من النفط يومياً، ما دفع دمشق وبغداد الى البحث في إعادة تشغيل أنبوب كركوك - بانياس الذي قصفته القوات الأميركية لدى غزو العراق. القسم السوري من الأنبوب جاهز، وجرى الاتفاق مع الجانب العراقي على ترميم القسم الموجود في أراضيه. وعلى المدى الأبعد، تخطط بغداد لزيادة الطاقة التصديرية من النفط الى نحو عشرة ملايين برميل يومياً في العام 2017. ومنافذ تصدير النفط العراقي هي: من الجنوب عبر ميناء الفاو، خط جيحان الى تركيا، وخط النفط عبر سورية الى البحر المتوسط. ويوضح علاو: «تم الاتفاق على ان انسب مسار للتصدير هو عبر الموانئ السورية، لأنه الأقل كلفة والأقل مسافة». وجرى الاتفاق على إنشاء خطين لنقل النفط العراقي بطاقة تصل الى 52.7 مليون برميل يومياً قابلة للزيارة بنسبة 20 في المئة: الأول، من جنوب العراق وحتى حديثة ومن ثم الى الموانئ السورية بطاقة 1.5 مليون برميل يومياً. الثاني، من حقول شمالي العراق الى حديثة والى الموانئ السورية بطاقة تصل 1.25 مليون برميل يومياً. ويبلغ طول كل خط نحو 1400 كيلومتر ثلثها في أراضي سورية. وتقدر كلفة كل واحد منهما بنحو 2.5 بليون دولار أميركي، بهدف تصدير «ثلث الإنتاج النفطي العراقي عبر سورية». ويُعتقد أن تحالفاً لعدد من الشركات العالمية سينفذ هذين المشروعين البالغ قيمتهما نحو خمسة بلايين دولار. ومن المقرر ان يتم خلال الأيام المقبلة توقيع عقد استشاري يتولى إعداد وثائق المناقصة. ومن المقرر ان يرافق هذين الأنبوبين خط غاز ينقل نحو 40 مليون متر مكعب يومياً «وفق أفكار أولية، قد يزيد أو ينقص بحسب الجدوى الاقتصادية». والى هذه المشاريع، هناك اتفاق مع العراق إزاء حقل «عكاس» قرب الحدود المشتركة، يتضمن حصول سورية على 1.5 مليون متر مكعب يومياً، علماً ان طاقة الحقل تصل الى 15 مليون متر يومياً. وهناك محادثات إزاء احتمال معالجة الغاز العراقي في معامل سورية وإعادة تصديره أو استخدامه في العراق أو في سورية. وفي البعد الإقليمي، طرح مشروع آخر جرى بحثه مع الجانب الإيراني يتركز على إقامة خط لنقل الغاز من حقول الغاز الإيرانية عبر العراق الى سورية والى البحر المتوسط. يبلغ قطر الخط 56 إنشاً لنقل نحو 110 ملايين متر مكعب يومياً، مع احتمال إفادة لبنان وسورية منه مع تصدير قسم كبير عبر مد أنبوب الى قبرص او بالبواخر بعد تسييليه. وجرى تشكيل لجنة فنية سورية - عراقية - إيرانية لبحث الاحتمالات بعدما توفرت الإرادة السياسية لذلك. وتقدر كلفة المشروع بنحو ثلاثة بلايين دولار أميركي. ويبلغ طوله نحو ألفي كيلومتر. يذكر ان إنتاج سورية من النفط بلغ في العام الماضي نحو 140 مليون برميل (386 الف برميل يومياً)، تم تكرير 84 مليوناً في مصفاتي حمص وبانياس السوريتين وتصدير نحو 56 مليون برميل. وتخطط الوزارة لإقامة مصافي جديدة لتأمين معالجة النفط السوري الفائض عن طاقة المصفاتين المحليتين ولتغطية حاجات سورية من المشتقات النفطية، ذلك ان العام الماضي شهد استيراد 36 مليون برميل من المشتقات. وتتركز الجهود على بناء مصفاة في «فرقلس» وسط البلاد بطاقة تصل الى 140 برميل يومياً، علماً انه جرى الاتفاق على إقامتها مع فنزويلا وإيران. كما تم الإعلان لإقامة مصفاة صغيرة بطاقة تصل الى 15 ألف برميل يومياً، لمعالجة المكثفات الناتجة من مصانع الغاز، إضافة الى تطوير مصفاتي حمص وبانياس. بالنسبة الى الغاز، بلغ الإنتاج الإجمالي نحو 31 مليون متر مكعب يومياً، يسلم منه للمستهلكين 24 مليوناً ويخصص منها 21 مليوناً لمحطات الطاقة و1.5 مليون لمنشآت وزارة النفط و1.5 مليون لمنشآت صناعية، علماً ان هناك اتجاهاً لتوسيع الاعتماد على الغاز في المدن الصناعية والنقل العام.