الذي لا يستطيع إدارة وإصلاح شأن منظور وملموس، هل سينجح في إدارة شؤون غير ملموسة أو صعب معرفة أحوالها؟ أرجو أن يضع القارئ السطور السابقة في الاعتبار، وأن يبتسم معي أيضاً، إذ احتاجت وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية إلى أكثر من مئة يوم للرد على خبر نشرته صحيفة «الرياض»، ولو لم ترد لكان أفضل لنا ولها. في منتصف ذي القعدة من العام الماضي، نشرت «الرياض» أن فرقة متخصصة من هيئة الأمر بالمعروف قبضت على عامل بنغالي مؤذن في مسجد بمهد الذهب «المدينةالمنورة»، ويمارس السحر والشعوذة، بعد أن رتبت له كميناً وسلم للشرطة، وعلى طريقة بعض أخبارنا المحلية في حشر التبريرات تضمن الخبر الآتي: «بعد أن أوهمهم بتدينه، مستغلاً حسن نيتهم وثقتهم الكبيرة به»... انتهى. والعبارة السابقة هي النص المجمل والمنمق لحقيقة الاتكالية المتفشية. بعد أكثر من مئة يوم نشرت الصحيفة رد الوزارة، ولا نعلم هل التأخير من الصحفية أم من الوزارة؟ المهم أن مدير فرعها في المدينةالمنورة قال فيه: «البنغالي المشار إليه في الخبر عامل تابع للمؤسسة المكلفة بصيانة ونظافة الجامع، وكُلّف من إمام الجامع بأداء الأذان لعدم وجود مؤذن للجامع، كما تم توجيه العقوبة النظامية اللازمة بحق كل من أخلّ بالأوامر والأنظمة والتعليمات الصادرة في هذا الشأن»... انتهى. والعقوبات النظامية اللازمة لا تشرح ولا تكتب، ليعلم مدى فاعليتها، لكن الأساس أن هذا هو حال كثير من المساجد إن لم يكن غالبيتها، فالوزارة التي لديها وكالة للمساجد تخصصت في توقيع عقود صيانة مع مؤسسات، لتوكل الأخيرة إدارة وتشغيل وصيانة وتنظيف المسجد لعامل يحمل المفاتيح التي لو نسيها لصلى الناس في الشارع. إدارة المساجد نموذج صغير في الجسم البيروقراطي لاتكالية جهات حكومية على مؤسسات تجارية أوكلت أعمالها لعمالة رخيصة، فأصبح العامل يقوم بأكثر من مهمة، بعذر عدم توافر مؤذن أو إمام أو حامل مفاتيح في بلاد الحرمين تفشل وزارة مكلفة بإدارة المساجد، لتبقى على أحوالها «الطفراوية»، نسبة إلى طفرات سابقة كانت حافزاً لهذه التوجهات، بمسمى تشغيل وصيانة، استقدم عمالاً ووزّعهم على المساجد. ومع بطالة متفشية في البلاد لو خصصت موازنة كل مسجد لها، لأسهمت في التخفيف منها، أعود لما جاء في أول المقال وزارة لم تستطع إدارة مساجد هل يمكن لها أن تفلح في أمور وشؤون غير ملموسة مثل التصدي للفكر المتطرف أو غيره؟ www.asuwayed.com