أي حديث عن مساوئ نظام الحكم السابق في مصر لن يكون فيه جديد، فالمصريون من كل الأطياف والأعمار والفئات يدركون أين كانوا وماذا أصبحوا، وأي كلام عن الفساد والفاسدين الذين يسعون الآن الى التحول وركوب موجة الثورة لن يجدي لأن المصريين يعلمون أن لكل نظام فاسد بطانة فاسدة اعتمدت عليه واعتمد عليها، يحاول أصحابها الآن البكاء على أرواح شهداء الثورة ودماء الشهداء تبدو عالقة في أياديهم. وأي دهشة تصيبنا من عدم خروج مسؤول واحد محسوب على النظام الذي تهاوى واستفاد منه وكان أحد أدواته أو أسلحته ليعتذر للشعب أو يقر بأخطائه ولا نقل جرائمه هي دهشة في غير محلها فالتلوّن عند هؤلاء أسهل والكذب أفضل و «البجاحة» سمتهم. والأمل لديهم في التعلّق بأهداف الثورة يظل باقياً حتى الرمق الأخير. يعتقد بعضهم أن ذيول النظام لا تزال تعبث أو «تلعب» أو تسعى الى استعادة مراكزها وقواعدها مستعينة بالفوضى التي خلفها النظام قبل رحيله، خصوصاً هؤلاء الذين كانوا أبواقاً واعتقدوا أن مهارتهم وخبراتهم في اللعب بالكلام والصوت والصورة تمكّنهم من أن يعتلوا سطح الثورة ليوحوا بأنهم من رجالها والمحرضين عليها والحامين لمبادئها والمطالبين بالحرية والمحذرين من فساد كانوا هم وقوده وحوائط الصد عنه. كل ذلك يفسر «الانتفاضات» التي تفجرت طوال يومين في غالبية المدن المصرية ضد أعوان النظام السابق والمطالبات بمحاكمتهم وإبعادهم عن واجهة المشهد السياسي والإعلامي في مصر في المرحلة المقبلة بعدما تصدروه خلال 30 سنة كانوا يسبحون خلالها في بحور من الفساد، حين كان الشعب المصري يقف طوابير طويلة للفوز برغيف خبز أو أنبوبة غاز. هل كان المصريون لا يعلمون أن الفساد تحول الى ثقافة في ظل نظام احتمى بالفاسدين وحماهم لسنوات طويلة؟ الاجابة بالطبع: الكل كان يعلم لكن الآلة البوليسية القاسية منعتهم من الحديث او الفعل، ومن ملك الشجاعة وتكلم إما اختفى وخرج من مدينته ولم يعد او ضُرب أو عُذّب أو خطفوه ليجردوه من ملابسه وتركوه في الصحراء يدفع الثمن. صحيح أن بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة التي أكدت أن مصر تتجه الى دولة مدنية وديموقراطية وقراراته بحل مجلس الشعب وتحديد ستة شهور فقط لإنجاز انتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة أراحت المطالبين بالإصلاح السياسي، لكن ما ورد في بيانات المجلس عن اجراءات عن «اجتثاث جذور الفساد» أراح كل المصريين وأبهجهم لأنهم كانوا يدركون جيداً أن النظام الجديد لا يمكن أن يقوم على هؤلاء الذين فسدوا وأفسدوا لسنوات طويلة. يتعيّن على المصريين بذل جهود كبيرة لتعويض ما فات والقضاء على ما تبقى من ذيول الفساد والتعايش مع مجتمع يستحق هذه الثورة السلمية البيضاء التي بهرت العالم وأعادت لمصر ريادتها بعدما فقدت مكانتها لسنوات، لكن في تقديري أن النائب المستشار عبدالمجيد محمود سيكون أكثر الناس معاناة جراء عدد قضايا الفساد التي يتعين عليه التحقيق فيها والقضايا التي سيحيلها على المحاكم ومواجهة أنبوب الفساد الذي تفجر ويكاد يغرق الساحة المصرية، أما هؤلاء الذين تشبثوا بالبقاء في ميدان التحرير أمس حتى يفضح كل فاسد ويحاكم كل منافق ويرفع الستار على كل ما كان مسكوتاً عنه وتهبط مصر من ترتيبها الرائع بين منظومة الفساد في العالم فيحتاجون الى وقت طويل إذا جرت العملية ببطء. إذا كان أصحاب الثورة طالبوا بجدول زمني لتحقيق مطالبهم واستجاب الجيش وحدد ستة شهور لذلك الغرض، فإن الاجراءات ضد الفاسدين وفضح ذيول النظام السابق ووقف تحايل المنافقين والتصدي لسعيهم الى صدارة المشهد مجدداً كلها إجراءات لا بد أن يتم الإسراع بها وهم الذين يقاومون مثلما قاوم نظامهم قبل أن يتهاوى بفعل ضربات الثورة السلمية.