موسيقى الراب حديثة العهد في تونس، ولو أنّ البعض يعيد انطلاقتها إلى أواخر الثمانينات من القرن العشرين. ونشط هذا اللون الموسيقي في شكل لافت خلال السنوات الأخيرة مع مجموعات شبابية تسعى الى تكريس توجه موسيقيّ خاص بها تستمده من الموسيقى التي ازدهرت في الغرب. ولم تحد أغنيات الراب في تونس عن التوجه الأصلي في الغرب حيث أنها تحاكي مشاكل الشباب وهمومه وتطلعاته وأحلامه وتقدم ما يختلج في صدور تلك الفئة في العالم العربي. ومع تعدد المجموعات الموسيقية التي تقدم أغاني الراب في تونس، استطاع بعضها فقط الاستمرار والصمود أمام تجاهل المؤسسة الثقافية الرسميّة. من هذه المجموعات فرقة «ماسكوت» التي أطلقت ألبومها الثالث منذ أيّام حاملاً عنواناً مستفزّاً «مونتاليتي حوم» أي عقلية الأحياء الشعبية. وحول الألبوم الجديد يقول وجدي الطرابلسي مؤسس الفرقة انّه «ألبوم استثنائي جاء بعد معاناة كبيرة وكذلك بعد نجاح الألبومين الأولين اللذين حققا مبيعات فاجأت حتّى شركة الإنتاج ذاتها...، حاولنا أن يكون الألبوم أقرب ما يكون من الشباب التونسي والعربي عموماً من خلال المواضيع التي تطرقنا إليها والتي تؤرق الشارع العربي عموماً...». ومن أغاني الألبوم أغنية تحمل عنوان «راني راحل» وتطرح قضية «الحرقان» أي الهجرة غير الشرعية التي تؤرق بعض المجتمعات العربية وتخلّف المآسي كل يوم وكتبت الأغنية انطلاقاً من قصة حقيقية يرويها أبطالها بعد غرق منقذهم ووصولهم إلى الضفة الأخرى من المتوسط. تحمل الأغنية أحاسيس ومشاعر نبيلة، حيث تصور ثلاث وجهات نظر مختلفة تجاه هذه المشكلة الكبرى وهي تجربة الفاشل في الوصول إلى تحقيق هدفه والنادم على الهجرة ومآسيها والثالث وهو المصر على معاودة الكرة ومحاولة المرور إلى ضفة الحلم. «شيزوفرينيا» أغنية أخرى من الألبوم تقدم الوجه الآخر للمجتمع العربي بكل تناقضاته وسلبياته وأغنية «ضحية مجتمع» التي تطرح نظرة المجتمع السلبية للانسان اللقيط...». الألبوم الجديد لفرقة «ماسكوت» أكد إصرارها على مواصلة الطريق خصوصاً أنّ مؤسس المجموعة وعبر مبادرات وجهود فردية وإمكانات محدودة يناضل ويتحدى ورفاقه لتكريس أغنية بديلة، تطرح المشاكل والقضايا التي يعاني منها الشباب. ويرى الطرابلسي أنّ الوقت لم يعد وقت أغاني الحب واللوعة والشوق ولكنه زمن الأغنية التي تفتح الجرح، وتساهم في إيجاد العلاج له، من خلال الكلمة البسيطة القريبة من المتلقّي والخالية من كل تعقيد مع المحافظة على الإيقاع والوزن مع موسيقى تمزج بين الموسيقى العربية الأصيلة وموسيقات عالمية متنوعة. هذا لا يعني أنّ «ماسكوت» ضد الأغاني العاطفية بل على العكس يؤكد الطرابلسي أنهم سيقدمون أغاني عاطفية في ألبوماتهم المقبلة ولكن بطريقتهم وأسلوبهم ورؤيتهم. ومن أغاني الألبوم أيضاً أغنية «بنات اليوم» التي تذكّر بأن المرأة العربية قيمة ثابتة في تربية الأجيال وتنشئة المجتمع السليم. وتشخص أغنية «أنتي ميديا» أي ضد الإعلام معاناة المجموعة مع الإعلام الذي رفض ما تقدمه في البداية بدعوى أنه غريب عن موسيقانا العربية وليس فيه من ثقافتنا ما يقربه من المستمع، إلاّ أن «ماسكوت» أثبتت العكس وقدمت موسيقى راب بروح عربية اقتربت في شكل غير عادي للمتلقي خصوصاً الشباب الذي وجد في ما تقدمه المجموعة خير تعبير عن حاله وهمومه ومشاغله وطموحاته وأحلامه بلغة بسيطة واضحة لا تعقيد فيها. وتقدم «ماسكوت» عرضين في باريس يومي 6 و8 من الشهر الجاري لتعود إلى تونس في جولة تشمل غالبية المحافظات لتقديم عروض في الهواء الطلق بالتعاون مع جمعية تهتم بالأطفال اليتامى، كما سيكون لها الكثير من العروض في المهرجانات الصيفية التونسية. وتصور «ماسكوت» قريباً ثاني فيديو كليب لها بعد أغنية «صحراوي» التي صورت في عمق الصحراء التونسية في ديكور الفيلم العالمي «حرب النجوم»، اضافة الى عدد من المشاريع الغنائية مع فنانين تونسيين وعرب.