ظل الخطاب السياسي العربي يطنطن طيلة نصف قرن بأن الشباب هو نصف الحاضر وكل المستقبل: في حين أن الواقع السياسي كان يوغل في إقصائهم. مع برود حقبة الوفرة النفطية في الدول النفطية وبداية تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي (التخصيصية والتكيف الهيكلي) في أقطار أخرى من بينها مصر تسارعت وتيرة إقصاء شرائح عريضة من المواطنين ولا سيما الشباب والفقراء. وبدا أن أصحاب نصف الحاضر قد خذلهم الحاضر وأنكرهم المستقبل. وفي الحالة المصرية فسنخلص في المراجعة السريعة لحظات التغير والمراجعة لتاريخ مصر لنصف قرن أن منعطفات التحول والمراجعة قد قادها الشباب المصري ولا سيما الطلاب. جاءت التظاهرات الطلابية العنيفة في أعقاب النكسة وإثر محاكمة قادة الطيران (في شباط / فبراير 1968) بمثابة مفاجأة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والذي كان يحظى بشعبية واسعة لم يحظ بمثلها زعيم عربي معاصر. وأمر قوات الشرطة بعدم اطلاق الرصاص على المتظاهرين ونزل اليهم يحاورهم، وجاء بيان 30 آذار (مارس) استجابة لغضب الطلاب من شباب الجامعات. وكانت تظاهرات واحتجاجات العام 1972 ضد خليفته أنور السادات للمطالبة ببدء معركة التحرير وشن الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، ومن بينها سيناء لتهدد نظام الحكم، وبخاصة في ظل استمرار حال اللاحرب واللاسلم. وقد تذرع السادات بانفجار الحرب الهندية الباكستانية وانشغال العالم بها وهو ما سمي وقتها في الخطاب السياسي ب”عام الضباب”، وهو الضغط الذي شارك فيه مصريون كبار، أمثال توفيق الحكيم ويوسف أدريس ولطفي الخولي، ما عزز مبادرة السادات باتخاذ قرار الحرب. وكانت انتفاضة 18 و19 كانون الثاني (يناير) 1977 أو ما وصف بالانتفاضة الشعبية، المنعطف الثالث لبروز دور الشباب المصري في صوغ التحول السياسي في لحظات فارقة والتي هددت حكم السادات ووصفها بأنها انتفاضة لصوص وحمّل اليساريين والناصريين مسؤوليتها وربما جعلته يفكر في انتهاج مسار التسوية السياسية مع العدو الإسرائيلى بعدها بشهور ووضعته في خط المواجهة والعداء ليس فقط مع محيطه العربي ولكن مع المعارضة اليسارية والإسلامية داخل مصر ذاتها والتي أسفرت في النهاية عن مقتله الدرامي على يد شباب الإسلاميين الراديكاليين في حادث المنصة الشهير ليخلفه نائبه حسني مبارك. وصلت محنة الشباب المصري مع النصف الثاني من حكم مبارك إلى عنفوانه ولم يبد أن سياسات وزراء اقتصاد السوق والتطبيق الارثوذكسي للسياسات النيو ليبرالية تلوح ببارقة أمل لشباب محبط لا يجد فرص توظيف أو سكن أو إمكانية للزواج وبخاصة بعد أن تراجعت عوائد النفط وتقلصت بالتالي فرص الهجرة الخليجية أمام الشباب المصري وغلق السوق العراقية أمامهم بعد حرب الكويت وانكماش السوق الليبية، ومع تراجع فرص التعليم ولا سيما العالي كماً وكيفاً، وتوقف سياسة الالتزام الحكومي بتعيين خريجي الجامعات والمعاهد العليا والمؤهلات المتوسطة، استمر تأميم الحقل السياسي المشوّه أمام الشباب مع سيطرة الحزب الحاكم على السوق السياسية في وجود الأحزاب الورقية الأقرب إلى الديكور وسيطرة الأمن على الجامعة وحصار المجتمع المدني والنقابات المهنية أو وضعها تحت الحراسة. المنعطف الأخير لصوغ الشباب المصري وظيفة الاحتجاج والمراجعة للممارسات الرسمية السياسية تمثل في انتفاضة ميدان التحرير والتي ألهمتها انتفاضة الياسمين التونسية. الشباب المتعلم والمعولم يقلب الطاولة على الجميع هذه المرة والذي استفاد معظمه وتشكل مع تقدم المجتمع الرقمي ليعيد توجيه المشهد السياسي بوعي وروح استشهادية لم تعرف عن الشرائح الوسطى التي ينتمي اليها معظمهم، وعناد هو أقرب إلى أبطال الأساطير. * أكاديمي مصري