هل يمكن ان يحدث في لبنان ما جرى في تونس ومصر؟ لا. لبنان لا علاقة له بكل ما تشهده المنطقة. دول عربية كثيرة ستشهد أحداثاً مماثلة، لكن لبنان خارج هذا السياق، فهو يفتقد الأساس الذي يدفع الناس الى الخروج، وهو وجود الدولة، فضلاً عن أن الشعب اللبناني يخرج الى الشارع منذ سنوات لتكريس غيابها، واختصارها في المذهب والطائفة. وكشفت أحداث تونس ومصر حجم الأزمة التي يواجهها اللبناني. غياب مفهوم الدولة ليس حكراً على لبنان. معظم الدول العربية اختصر الدولة بشخص الزعيم والحزب الحاكم وشعاراته، وجعلها ملكية خاصة، ما دفع الناس الى الخروج الى الشوارع في تونس ومصر لحماية الدولة، وانتزاعها من التزييف والملكية الخاصة. لكن الأمر في لبنان مختلف، فالملكية صارت للطوائف، وتحركات الناس بين فترة وأخرى لا تهدف الى الدفاع عن الدولة، وإن رفعت شعارات توحي بذلك. المواطن في لبنان استبدل المذهبية والطائفة بالدولة، والتبس لديه الفرق بين الدولة والطائفة، وصارت المواطَنة مرادفاً للمذهب، لذلك باتت مهمة اللبنانيين في استعادة مفهوم الدولة بعيدة المنال، وأكثر مشقة من مهمات شعوب أخرى. لا شك في أن الخوف اليوم ليس على لبنان واستقراره، فهذا البلد بات يتماهى مع وضعه الطائفي، وربما توصل الى صيغة مقبولة لديموقراطية الطوائف، لكن الأزمة تواجه الدول التي تشهد خروج حشود من البشر لتغيير غير متفق عليه، فالأحداث التي مرت بها تونس ومصر كشفت خوراً في بنية الدولة العربية الحديثة، وضعفاً في مؤسساتها. في المقابل، نجد أن مهمة هذه الحشود اليوم ليست في تغيير قيادات ومواقع، بل في معاودة صوغ مفهوم الدولة، بكل ما تعنيه هذه الكلمة. وتلك مهمة تحفّها أخطار، ناهيك عن النزعة الطائفية والمذهبية والعنصرية الموجودة على امتداد العالم العربي، وإن تفاوتت في حدتها وتناسبها. الأكيد ان ما يجري اليوم يفتح باباً للأمل، لكنه أمل ينطوي على مخاوف خطيرة. في مصر اليوم ليست هناك قيادة للثورة الشعبية متفق عليها. هل ستدخل المنطقة في مرحلة من الفوضى، تساوي في مدتها الوقت الذي عاشته هذه الدول تحت القمع والطغيان وتهميش حقوق البشر؟ هل نحن أمام تكرار التجربة اللبنانية؟