فتحت المصارف المصرية أبوابها مجدداً أمام الزبائن أمس، فيما استمرت البورصة مقفلة. وسعى البنك المركزي إلى طمأنة المستثمرين، لكن قرار البورصة المفاجئ السبت الماضي بإبقائها مقفلة اليوم بدلاً من استئناف نشاطها كما كان مقرراً أصلاً، يشير إلى أن السلطات غير واثقة من استئناف النظام المالي عملياته في شكل سلس بسرعة. وأشار مسؤول في البورصة المصرية، في اتصال هاتفي مع وكالة «رويترز»، إلى أن «قرار تمديد إقفال البورصة اتخذ في اجتماعات بين البورصة المصرية وهيئة الرقابة المالية وشركة مصر للمقاصة والأطراف المعنيين بالسوق حتى الثلثاء المقبل، على أن يُعلن موعد بدء التداول قبلها بنحو 48 ساعة». ولم يشهد سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري ارتفاعات حادة في بداية التعاملات كما كان متوقعاً. واستعادت المصارف نشاطها، وسط تأكيدات البنك المركزي المصري بضمان الودائع المصرفية، وإقبال ملحوظ من المتعاملين على السحب، فيما انحسرت عمليات الإيداع، في مؤشر إيجابي إلى بدء عودة الحياة إلى طبيعتها في مصر. وشهدت ماكينات الصراف الآلي إقبالاً لا سابق له، إذ اصطفّ الزبائن في «طوابير» امتدت إلى الشارع في مشهد لم يألفه الجهاز المصرفي المصري سابقاً. وبدأ العمل في العاشرة صباحاً في 29 مصرفاً من أصل 39 ، وفق قرار البنك المركزي المصري وسط إجراءات أمنية مشددة. وكان البنك المركزي أعلن «السماح للأفراد بسحب ودائع حدها الأقصى 50 ألف جنيه مصري و10 آلاف دولار، فيما لم تحدّد قيود على التحويلات أو حد أقصى لها. وأعلن محافظ البنك المركزي فاروق العقدة، «تزويد المصارف في كل البلاد ب 5 بلايين جنيه لاستيعاب عمليات السحب». ولفت إلى «تضرّر النمو الذي كان متوقعاً ب 6 في المئة، بسبب الأزمة السياسية»، مرجحاً أن «يصل حجم التدفق إلى خارج البلاد إلى 8 بلايين دولار الأحد والاثنين». لكن أكد أن مصر «تملك احتياطاً وخبرة للتعامل مع ذلك»، مشيراً إلى أن «الاحتياطات كافية وتبلغ 36 بليون دولار، وهو الرقم المسجل في نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي». وأعلن العقدة أن الاحتياطات «يمكن أن تغطي الواردات لفترة تمتد تسعة أشهر ونصف شهر، وهي أكثر من معظم الدول». ولفت إلى «خروج نحو ثمانية بلايين دولار في خلال أسبوعين، لكن يمكن معالجة ذلك لأنها تعاملت مع تدفقات أكبر إلى الخارج في الماضي مثلما حدث عام 2008 خلال أزمة المال العالمية». ورأى العقدة، أنها «ليست أزمة اقتصادية بل أزمة سياسية لها تأثير على الاقتصاد». وفتح الجنيه المصري منخفضاً في مقابل الدولار أمس بعد إغلاق المصارف أسبوعاً. وأعلن متعاملون في تصريحات إلى وكالة «رويترز»، «تداول الجنيه بنحو 5.915 جنيه للدولار مقارنة ب 5.855 في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، وهو يوم العمل السابق قبل إقفال المصارف». وأشار متعامل، إلى «تداول نحو 400 مليون جنيه في الدقائق ال 45 الأولى، مقارنة بما بين 300 و 400 مليون جنيه في معاملات اليوم السابق للأزمة». وبلغ المتوسط المرجّح للسعر لدى البنك المركزي المصري قبل الظهر في عمليات الصرف الأجنبي بين المصارف، 5.9013 جنيه للدولار. وأكد متعاملون ومحللون لوكالة «رويترز»، أن البنك المركزي يتدخل في شكل غير مباشر لدعم الجنيه المصري. وكانت المعاملات كثيفة مع إقدام مستثمرين أجانب ومصريين على تحويل الأموال إلى الخارج بسبب عدم الاستقرار السياسي. ولفت مدير الخزانة في مصرف مقره القاهرة، إلى «شراء كثيف للدولار، لكنه متاح من طريق مصرفين تجاريين محليين يستخدمهما البنك المركزي تقليدياً للمساعدة في إدارة سعر الجنيه». وعن تأثير الأزمة في مصر على الاقتصاد، لفت تقرير ل «كريدي أغريكول»، إلى أن أزمة مصر «تكلف البلاد ما لا يقل عن 310 ملايين دولار يومياً». واعتبر أن الاقتصاد «يأتي في قلب المشاكل المصرية، وسقط نظام مبارك لافتقاره إلى نظام اقتصادي يضمن وصول الثروة إلى طبقات المجتمع المتنوعة، ولاتساع فجوة عدم التكافؤ بينها، وارتفاع نسبة الفقر ومعدل البطالة وازدياد معدل التضخم». واعتبر الخبير الاقتصادي مختار الشريف، أن مصر كانت منذ فترة طويلة أحد ركائز الديبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط. لذا فإن أي شكوك هناك تسبب حالاً من الغموض ليس في الولاياتالمتحدة فحسب بل في أي دولة لها مصالح هناك. ويمتد تأثير أي شكوك في هذه المنطقة في أرجاء العالم. ولن يكون للاضطرابات الداخلية تأثير يذكر على أسعار الأصول العالمية لصغر الاقتصاد المصري نسبياً، كما أن قناة السويس تمثل 8 في المئة من حركة التجارة البحرية على مستوى العالم. وانسحبت الخسائر نتيجة الأزمة على قطاع الإنترنت، إذ كشفت تقديرات أولية، أن قطع الحكومة المصرية خدمات الإنترنت في البلاد على مدى خمسة أيام كلف مصر خسائر بقيمة 90 مليون دولار. وأشارت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في بيان، إلى أن الخدمات المعطلة (الاتصالات والإنترنت) تمثل ما بين 3 في المئة و4 من الناتج المحلي، أي ما يشكل خسارة تقارب 18 مليون دولار يومياً». وأوضحت المنظمة، أن الأثر الاقتصادي «ربما يكون أكبر على المدى الطويل، لأن هذا التدبير طال شركات محلية وعالمية تعمل في مجال التكنولوجيا المتطورة وتقدم خدمات إلى خارج مصر أيضاً. وسيكون أصعب بكثير في المستقبل جذب شركات أجنبية وطمأنتها إلى أن شبكة الاتصالات ستكون أهلاً للثقة». ويُذكر أن خدمة الإنترنت عادت إلى مصر حالياً بعد قطعها أكثر من خمسة أيام. وسيكون للأزمة تأثير على القطاع السياحي، والذي يشكل أحد المصادر الرئيسة للدخل بالعملة الأجنبية بنسبة تزيد على 11 في المئة من الناتج المحلي.