عن رواية «لا تطفئ الشمس» للكاتب المصري الراحل إحسان عبدالقدوس (1919 – 1990)، عرضت الفضائيات العربية، خلال شهر رمضان الماضي، مسلسلاً يحمل العنوان ذاته من بطولة ميرفت أمين، أمينة خليل، محمد ممدوح، فتحي عبدالوهاب، أحمد مالك، جميلة عوض، أحمد مجدي، واللبناني باسم مغنية. سيناريو وحوار ورؤية تامر حبيب، والإخراج لمحمد شاكر خضير. سبق أن حُولت تلك الراوية إلى فيلم تم إنتاجه العام 1961، من إخراج صلاح أبوسيف وبطولة فاتن حمامة وعماد حمدي ونادية لطفي وأحمد رمزي وشكري سرحان وعقيلة راتب، ليعاود تقديم الرواية كمسلسل (2017) عبر رؤية ومعالجة درامية جديدة وعصرية. يبدو أن محمد شاكر خضير يستطيع استخراج أقصى ما لدى محمد ممدوح من مهارات التمثيل، حدث ذلك منذ مسلسل «غراند أوتيل» (2016)، وتكرر الأمر هذا العام عبر أداء لافت من ممدوح في «لا تطفئ الشمس». والأمر عينه يسري على الممثلة الشابة أمينة خليل. أيضاً، واصل أحمد مالك تقديم نفسه في شكل جيد، عبر كاريزما متجددة، وقدرات تمثيلية واضحة. ويمكن سحب ذلك على جملة من الممثلين الشباب في العمل منهم محمد حاتم، جميلة عوض، مي الغيطي، أحمد مجدي، مريم الخشت، سلمى أبوضيف، محمد الشرنوبي، محمود الليثي. حظي «لا تطفئ الشمس» بنسب مشاهدة مرتفعة، ربما بسبب التوليفة المتناغمة في فريق العمل من المؤلف والمخرج وحتى الممثلين، أو ربما لكونه عملاً واحداً ضمن عملين فقط في موسم الدراما الرمضانية المنصرم المقتبس عن رواية. ولكن من دون شك استحق المسلسل تلك المتابعة على خلفية الدراما الجادة والمميزة التي قدّمها. يطرح مسلسل الدراما الاجتماعية «لا تطفئ الشمس»، عيّنة عشوائية وصادقة وإنسانية جداً لهذا المجتمع، عبر مسار ومصائر تواجهها عائلة تنتقل إلى بيت جديد بعد موت الأب. العائلة مكوّنة من الأم إقبال (ميرفت أمين) وأبنائها، أحمد الكاتب البوهيمي الذي بدأ خجولاً (محمد ممدوح)، وفيفي الفتاة العملية المعقدة المسترجلة (ريهام عبدالغفور)، ثم الأميرة المتوّجة وسيدة البيت الثانية إنجي (أمينة خليل)، والصغيرة المدللة الشقية آية (جميلة عوض)، وأخيراً آدم، فاكهة البيت، الفتى اليافع الوسيم خفيف الدم، محبوب الجميع ويحظى بثقة الجميع (أحمد مالك). الحب، سؤال رئيس في «لا تطفئ الشمس» واستفهام أساس أيضاً في أغلب سيناريوات المؤلف تامر حبيب، وللحب دائماً أكثر من وجه وصيغة. هكذا يشتغل حبيب على نسج تفاصيل شخصيات المسلسل، فالأم تعود لحبيبها القديم بعد انعتاقها من الأب الذي تزوجته من دون إرادتها قبل سنوات والسؤال هنا: ماذا لو جاء الحب متأخراً؟ أما الابن الأكبر فيعربد بين قصتي حب، إحداهما أخلاقية، والأخرى تبدو قائمةً على المصلحة. ثم الحب الخسيس بين إنجي (أمينة خليل) وزوجها (أحمد مجدي)، حيث يستغل هذا الأخير إعجاب مليونير لبناني بها، نديم (باسم مغنية)، ليظفر ببعض البيزنس والسؤال هنا: الحب أم المصلحة؟ ثم هناك فيفي المسترجلة التي ترتبك إزاء الحب وترتبط بخطيبها سعد (محمود الليثي) حيناً وتنفصل عنه أحياناً. أما مالك فيقع في المأزق التقليدي، ويتورط في حب فتاة (مي الغيطي) لا تليق به اجتماعياً أو مادياً، ويكون رد فعله بعد أن ترفض أسرته هذه العلاقة، أن يهرب ويختفي ويتزوجها سراً، وهنا يبرز سؤال حول المقارنة بين الحب والأهل. ثم السؤال الأخير عن الحب المنبوذ اجتماعياً، بين أستاذ الموسيقى هشام (فتحي عبدالوهاب) وتلميذته آية، وفارق العمر الكبير بينهما. يطرح هذا المسلسل مواضيع أخرى في صور مختلفة، بينها الخيانة في أشكال عدة. الخيانة المباشرة أو الجسدية، أو الخيانة بالمشاعر. كما يطرح تصوراً لمفهوم العائلة، وتداخل السلطات فيها، ومساحات الحرية الممنوحة لأفرادها، وغيرها من التلوّنات. الغيرة أيضاً سؤال مهم في العمل، غيرة الابن على أمه كما حدث بين أحمد وأمه إقبال، أو غيرة المرأة على رجلها كما في حالة هشام وزوجته زيزي (إنجي المقدم) بعد اكتشافها العلاقة بين زوجها وتلميذته آية. أو غيرة الأخ على أخته، كما في حالة أسطى عدوي (خالد كمال) وأخته حبيبة (مي الغيطي). وهناك الحالة العكسية التي قدّمها مسلسل «لا تطفئ الشمس» والمتمثلة في انعدام الغيرة أو «الدياثة»، كما حدث بين يوسف وإنجي أمينة خليل. «لا تطفئ الشمس» عمل يُعيد الرواية المكتوبة قبل عقود الى الشاشة وإنما بصورة عصرية تنقل تناقضات الواقع المصري واختلاف الطبائع البشرية عبر تنوّع النماذج والحكايات.