انضمت أخيراً في طهران جريدة جديدة إلى قائمة الصحف اليومية الصادرة في إيران. الصحيفة الجديدة التي تحمل اسم «ملت ما» (أمتنا) ذات هوية سياسية - اقتصادية - ثقافية - اجتماعية ورياضية. وكانت لجنة الإشراف علي الصحافة وافقت على صدور الصحيفة ومنحت امتياز «ملت ما» لمحسن رضائي، أمين مجمع تشخيص النظام والمرشح الرئاسي للانتخابات الرئاسية الأخيرة (2009) قبل أن ينقل هذا الامتياز إلى عبد الحسين روح الأميني، فيما تشرف علي تحريرها لجنة تحرير انتخبت اسكندر صالحي من بين أعضائها لرئاسة التحرير. واللافت أن صاحب الامتياز هو والد محسن روح الأميني الذي قضي نحبه في معتقل كهريزك إبان الأحداث التي شهدتها إيران بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والذي لعب دوراً فاعلاً في تحريك ملف هذا المعتقل لعلاقاته الواسعة مع القيادات الإيرانية، والتي قادت الي إغلاق المعتقل وإحالة المشرفين عليه على القضاء. وثمة اعتقاد في إيران أن الصحيفة تمثل وجهة نظر المكتب السياسي ل «حزب التنمية والعدالة» من دون أن يذكر ذلك بوضوح، إذ يشغل رئيس التحرير اسكندر صالحي منصب رئيس المكتب السياسي للحزب المذكور، في وقت يشغل روح الأميني منصب الأمين العام للحزب، فيما يمثل محسن رضائي زعامة هذا الحزب. ويرى كثيرون من المهتمين في الشأن الإعلامي الإيراني، ان الصحيفة تعتبر من الصحف التابعة للجناح المحافظ الأصولي الذي يحمل انتقادات واضحة لحكومة الرئيس أحمدي نجاد. ويعزو المسؤولون في الصحيفة إصدارها إلى وجود فراغ في الساحة الصحافية الإيرانية، موضحين أنّ الجريدة الوليدة «تهدف الي وضع تعريف صحيح للمصالح الوطنية والدفاع عن هذه المصالح»، فضلاً عن إشاعة أجواء الحوار بين النخب علي أساس المصالح الوطنية بعيداً من الأجنحة السياسية ومنطلقاتها. ولأن غالبية المشرفين علي سياسة «ملت ما» هي من خلفيات عسكرية عملت في الحرس الثوري إبان الحرب العراقية الإيرانية، فإنها تسعى إلى التركيز علي القضايا المتعلقة بالسياسية الدفاعية والاستراتيجية العسكرية. ويرى المدير المسؤول للصحيفة أمير حسين مروي ان «أهم خصائص الصحيفة احتواؤها صفحة الدفاع التي تعنى بقضايا «الدفاع المقدس»، وهو مصطلح يطلق عادة علي الحرب العراقية - الإيرانية (التي اندلعت في مطلع الثمانينات من القرن الماضي) والحروب التي خاضتها ايران علي مدي التاريخ، وكذلك الوسائل العسكرية والخطط الحديثة في هذا المجال من خلال استكتاب مختصين وخبراء في المجال العسكري والأمني القومي والاستراتيجي». ويقول مروي ان صحيفة «ملت ما» لا يمكن مقارنتها بالصحف الإيرانية الأخري لأنها تحمل مضموناً ورائحة ونكهة مختلفة لا تتوافر في الصحف الأخري. ويمكن معرفة الاتجاه السياسي للصحيفة من خلال ما يراه رئيس التحرير اسكندر صالحي، إذ يؤكد انها «تنتمي إلى خطاب سياسي جديد يؤمن بجمهورية النظام وملتزم بمبدأ ولاية الفقيه». وهو لا يتعامل مع القيادة بانتقاء المواقف، بل يري قابلية تنفيذ كل ما يصدر عن القائد خامنئي من توجيهات، ويعتقد أن جناح الفتنة «الإصلاحيين المتشددين» خطر علي إيران، وان أحداث كهريزك وأحداث الحي الجامعي في طهران وأصفهان وسبحان، تقف وراءها توجهات مشبوهة. العدد الأول من «ملت ما» صدَرَ وعلى صدْرِ صفحته الأولى صورة لقمة جبل دماوند الإيراني ويحمل عنوان: «تحية للشعب الإيراني الكبير من سواحل ارس حتي جزر الطنب وأبو موسي». وكتب روح الأميني (صاحب الامتياز) افتتاحية العدد الأول مؤكداً أن الصحيفة «تسعي إلى تقريب وجهات النظر وإزالة الخلافات والضغائن في الأنفس من أجل تعزيز المفاصل الاجتماعية والعلمية والثقافية والاقتصادية داخل البلد»، داعياً النخب الإيرانية الي التعاطي بإيجابية مع الصحيفة. ونفت الصحيفة الاتهامات التي أوردتها صحيفة «كيهان» المتشددة بأن «ملت ما» عيّنت صحافيين متعاونين مع الصحف الإصلاحية «تيار الفتنة». وشككت «كيهان» بقدرة صحيفة «ملت ما» علي استيعاب «الإصلاحيين المعتدلين»، مشككة بوجود مثل هذه الجماعات. ويختلف الصحافيون الإيرانيون حول تحديد هوية الصحيفة السياسية. فالبعض يعتبرها «معارضة لسياسة حكومة الرئيس احمدي نجاد»، فيما يري آخرون أنها «صحيفة أصولية مستقلة»، لكنهم يجمعون علي انتهاجها أسلوب دعم المقالات والمواضيع بالرسوم البيانية والإحصاءات التي تمتاز بها المجلات المختصة، وهذه ظاهرة ربما تكون فريدة في الصحف الإيرانية اليومية. وعلي رغم الجدل القائم حول الصحيفة الإيرانية الوليدة، فإنها لم تستطع ان تكون ضمن الصحف الأكثر انتشاراً قياساً بصحف «همشهري» و «شرق» و «كيهان» و «ايران»، ولا توجد معلومات شفافة عن عدد النسخ المطبوعة ومستوي التوزيع، وعدد العاملين في الصحيفة، شأنها شأن الصحف الأخري الصادرة في بلاد فارس.