مطالبة مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية روز غوتمولر إسرائيل والهند وباكستان، بالتوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، قد يلبي طموحات بعض العرب الذين يتساءلون عن التهديدات الموجهة إلى إيران كي تتخلى عن برنامجها النووي وغض النظر عن الترسانة الإسرائيلية المؤكدة. ولكن قراءة هادئة للتصريح الذي اعتبره بعضهم نقلة نوعية في سياسة الولاياتالمتحدة، ووقْعُه في إسرائيل، توضح أنه مجرد جزء من حملة العلاقات العامة لإدارة الرئيس باراك أوباما ل «كسب العقول والقلوب»، قبل زيارته لمصر لمخاطبة العرب والمسلمين وإقناعهم بأنه يعمل من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط. استقبل التصريح في إسرائيل بنوع من الاستخفاف واللامبالاة. لامبالاة لأن البيت الأبيض لن يجرؤ على مواجهة الكونغرس الذي وقّع أربعمئة من أعضائه في مجلسي النواب والشيوخ عريضة تطالب أوباما بالمحافظة على أمن إسرائيل. ولأن الأمر لا يتعدى تصريحات لمساعدة وزيرة الخارجية. والأهم من ذلك أن إسرائيل النووية، حتى لو اضطرت إلى توقيع معاهدة الحظر، لا شيء يجبرها على التخلي عن ترسانتها، فتوقيع المعاهدة لم يمنع الدول الموقعة عليها من الاحتفاظ بأسلحتها وتطويرها أيضاً. هي معاهدة لمنع انتشار هذه الأسلحة وليست لنزعها من مالكيها. أما استقبال التصريح الأميركي باستخفاف فعبّر عنه وزير خارجية إسرائيل المتمدن جداً أفيغدور ليبيرمان. قال إن «الإدارة الأميركية ستتبنى أي سياسة تمليها عليها إسرائيل». ليبيرمان استند في تصريحه إلى تاريخ العلاقة بين البلدين. وإلى اقتناعه الكامل بقدرة «الأصدقاء» في الكونغرس وخارجه على الوقوف في وجه أي محاولة لإجبار حكومته على السير في طريق السلام، وقدرة حزبه من المهاجرين الروس على إسقاط أي حكومة ترضخ للضغوط الأميركية. دعونا نحلم. باستطاعة الولاياتالمتحدة، إذا أرادت، ان تُكْرِه إسرائيل على السير في طريق السلام. يكفي أن تحجب عنها الهبات والمساعدات العسكرية (أكثر من 150 بليون دولار منذ إنشائها) كي تتحول مصانعها وآلتها الحربية إلى ركام لا قيمة له. عندها ستضطر إسرائيل إلى الرضوخ والعيش بسلام مع العرب «الزعران» اللاديموقراطيين. لكن هذا مجرد حلم. حلم بإمبراطورية أميركية تدير العالم بديموقراطية، ولا تكرر المجازر والأخطاء التي ارتكبتها الإمبراطوريات السابقة. حلم لا يجرؤ عليه أوباما اليقظ دائماً، المتحفز لما يدور حوله. دعوة واشنطن إسرائيل إلى الموافقة على حظر انتشار الأسلحة النووية ليست سوى محاولة لتغطية التشدد حيال إيران بمسحة أخلاقية. وللتحايل على دعوات عربية، تتزعمها مصر، إلى إخلاء الشرق الأوسط من هذه الأسلحة. أو هي مزحة أميركية سمجة لا يضحك لها أحد سوى العنصريين في إسرائيل.