ما لا شك فيه أن الإنسان أصبح لا يدري من الذي يأخذ له حقه؟! ومن يحاسب من ظلمه؟ ومن ذلك الرئيس الذي يمنع وقوع تلك الحروب في الدول التي نراها على الشاشة؟ لأن ما نراه ونشاهده أمامنا ونسمعه شيء فظيع وعجيب وغريب ومقذر. وخير دليل على ذلك الخطاب الذي ألقاه رئيس الولاياتالمتحدة أوباما في قمة السودان في نيويورك في أيلول (سبتمبر) 2010 الماضي، وفي مجمل حديثه تناول قضية دارفور وقضية جنوب السودان، وعرج في خطابه إلى الحديث عن «حقوق الإنسان» السوداني، وتحدث عنها كثيراً وعن عدد القتلى في تلك المناطق التي ذكرها بالأرقام، وعن أشياء كثيرة تهم حقوق الإنسان، وما أدراك ما «حقوق الإنسان» التي يتحدثون عنها دائماً ولا يفعلون شيئاً تجاهها، ويظل الحديث تحصيل حاصل لدول بعينها، ويشددون القول والحديث للدول الضعيفة والمستضعفة، ولا ندري هل يقصد أوباما «حقوق الإنسان»، أم «عقوق الإنسان»؟! لذلك حذر أوباما في خطابه عن السودان، قائلاً: «حالياً مصير ملايين الأشخاص على المحك، وما سيجري في السودان خلال الأيام المقبلة قد يقرر ما إذا كان هؤلاء الناس الذين عانوا الحروب سيتقدمون نحو السلام أو سيغرقون مجدداً في حمام الدم؟»، ولكن ما لفت انتباهي ليس ما ذكره الرئيس الأميركي، ولكن ما قاله عن «»حقوق الإنسان»، وتولدت لدي أسئلة كثيرة أثناء حديثه عن تلك الحقوق المهدرة، وعن أن السودان لا يراعيها في أبنائه، وعن... وعن... إلخ. وفي الوقت نفسه لا يذكر ما فعله المجرمان «بلير وبوش» في العراق وفلسطين وأفغانستان والشيشان. السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يتذكر أوباما في حديثه «حقوق الإنسان» في تلك الدول وركز على السودان فقط؟! أريد أن أعرف أو أفهم هل حقوق الإنسان هذه مفصّلة على السودان فقط؟ أم هي الدولة الوحيدة التي من حقها أن تراعي حقوق الإنسان؟! وماذا عن حقوق الإنسان في فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان؟! الذي يهدرها الإسرائيليون «على عينك يا تاجر» بالصوت والصورة من دون خوف من منظمة «حقوق الإنسان»، أو ممن أسسها؟ لماذا لا نحاسب إسرائيل بسبب اغتيالها «حقوق الإنسان»؟! وفي كل الدول الأخرى يهان الإنسان وتهدر حقوقه، ويقتل وينهب في عرضه وماله، ولا يحاسبه أحد، ولا أحد يقول عن حقوق الإنسان في تلك الدول الأخرى شيئاً، ألا يرى «أوباما» بأم عينيه ما يجري في فلسطين وأفغانستان والعراق؟! لماذا لا يوجه خطابه لتلك الدول، أو يوقف الحروب الدائرة فيها؟ وأين موقع «حقوق الإنسان» في الخريطة أو في الأممالمتحدة؟! لماذا هذه التباينات والاختلافات في الخطابات التي نراها من دولة إلى أخرى؟! أحلال على تلك الدول أن تهدر حقوق الإنسان على مرأى الأعين التي نراها عقب نشرات الأخبار، وحرام على الدول الأخرى الضعيفة أن تهدر حقوق الإنسان وتتم محاسبتها من خلال الأممالمتحدة ومكتب حقوق الإنسان، أم ماذا؟! فمن كثرة رؤيتنا للدماء التي تريقها إسرائيل وأميركا أصبنا جميعاً بالتبلد، فإراقة الدم العربي أصبحت مثل المياه التي تصب من «الصنبور»، إذ في السابق كانت هذه المناظر تؤثر وتثير حفيظة كل المسلمين، وتقشعر منها الأبدان عندما يرى الإنسان يذبح أخاه الإنسان، أو قتله برصاص أو خنجر، أو خلافه من أدوات القتل، وظل أطفالنا أيضاً يشاهدون معنا تلك المناظر في التلفزيون. فصراحة أخجل تواضعي خطاب الرئيس أوباما الذي ألقاه عن السودان، وعن حديثه عن السلام الذي حققه السودان، فجأة أعلنوا عبر نشرات الأخبار عن ملف دارفور الذي كان نائماً في سبات عميق أظهروه على السطح، وفوتوا الفرصة على السودان في ما وعدوه بتلك الأموال الطائلة التي ستصب عليه من أميركا في حال حدوث «سلام» في السودان بين الشمال والجنوب، وها هم اليوم يفصلون شمال السودان عن جنوبه من أجل ثروات الجنوب والفوز بنفطه، الذي اكتشفته شركة شفرون الأميركية، حينما كانوا يريدون لهذا النفط أن يكون احتياطياً لأميركا بعد عام 1915، وأيضاً يريدون أن يضعوا إحدى قواعدهم العسكرية الأميركية في جنوب السودان لتهديد الدول الأخرى ولتتم سيطرتهم على العالم أجمع. لذلك يتحدث الرئيس أوباما عن «حقوق الإنسان» المهدرة في السودان، وعن تلك القضايا التي تهم السودان، ليس حباً في السودان، ولكن من أجل تحقيق مصالح أميركا في السودان، أو في جنوب السودان خصوصاً. جعفر حسن حمودة – الرياض [email protected]