يؤكد المؤلفان «ألفين توفلر وَ هايدي توفلر» لكتاب «الثروة واقتصاد المعرفة» (ترجمه الدكتور محمد زياد يحيي كبّة) أن نظام الثروة الثورية يقوم على ثلاثة أسس عميقة، الزمان، والمكان، والمعرفة. لذا فإن البلاد ذات الاقتصاديات السياسية، والمتصفة بالتقدمهي: أميركا، واليابان، والصين، والاتحاد الأوروبي، وهي مقدمة على أزمة لا ترغب فيها، فهذه الأزمة كفيلة بأن تضع حداً للتقدم الاقتصادي في المستقبل. وهذه الأزمة المحدقة هي نتيجة مباشرة لغياب التزامن، ليس في الأداء فحسب، بل في مقومات الاقتصاد كافة، وكل ما يتعلق به، في مختلف المجالات. إن سائر دول العالم اليوم تكافح بسرعات مختلفة من أجل بناء اقتصاديات متقدمة، لكن ما عجز عن فهمه معظم الزعماء والقادة المدنيين والسياسيين ورجال الأعمال حقيقة بسيطة، هي أن الاقتصاد المتقدم يحتاج إلى ( مجتمع متقدم )، ويظهر مدى التقدم من خلال المؤسسات في المجتمع في أدائها، فإن لم يكن المجتمع متقدماً من خلال مؤسساته، فلا يتوقع التقدم في الاقتصاد، مهما توافر له من الأدوات، والوسائل. في كل شركة أو مؤسسة يمكن أن يلغي التزامن بين الأقسام، والوظائف، والمستويات الهرمية، والدوائر الإقليمية، أما نقطة الانهيار فغالباً ما تكون (الثقافة). ومما يوضح ذلك، إنه عندما تسلم مدير تنفيذي جديد إدارة شركة سيمنس نكسدورف Siemens Nixdorf قبل سنوات عدة، وصفته الفاينا نشال تاميز بأنه أكثر قلقا بشأن الزمن/الوقت من قلقه على الدولارات، فشركة سيمنس الألمانية ضمت إليها نكسدورف، وهي شركة حاسبات شخصية لكي تكمل أعمالها الخاصة بالحاسوب، وعرف هذا المدير التنفيذي أن جزءاً من الشركة يحتاج إلى تغيير تقني كبير كل (6) أشهر، لكن الشركة الأم (سيمنس) كانت أقدم، وأكثر طبقية، بل قل كانت روتينية في أدائها، بطيئة الاستجابة، فلا يتزامن أداؤها مع متطلبات العمل، وقال المدير التنفيذي في مؤتمر صحافي: إن تغيير منتج شيء (ممكن)، ولكن تغيير عقلية الشركة يستغرق عادة من ثلاث إلى خمس سنوات، وهذا ما لا نملكه. وبذلك يمكننا فهم أن الاقتصاد المتقدم يحتاج إلى (مجتمع متقدم ) أي مؤهل لأن يقوم باقتصاد متقدم، الوقت فيه عنصر أساس، فهو يعتمد على السرعة في الأداء، والهدف أن يتحقق الإنجاز المطلوب في الوقت المطلوب. إن نظام الثروة الجديد أحدث تحولات كبيرة، وبخاصة في الوقت، فنحن اليوم ننتقل من الوقت الجماعي إلى الوقت الفردي أو الشخصي، ومن أسواق المنتجات الجماعية إلى المنتجات الشخصية في وقت واحد، والمطلوب أن يتزامن الإنتاج مع الطلب. وانعكست هذه التحولات في حياة الأسرة، فالحاجز بين وقت العمل ووقت الأسرة أخذ يذوب مع البرامج الزمنية الثابتة، ولم تعد حياة الأسرة منتظمة زمنياً، كما كان في العصر الصناعي (الموجة الثانية) إن نظام الثروة الجديد لا يتسارع فحسب، بل إنه يدخل قدراً أكبر من عدم التنظيم في علاقاتنا بالوقت، بسبب التغيير والتطور المستمر، وهو بهذا يحرر الفرد من جمود العصر الصناعي ورتابته، التي تشبه حياة السجون، لكنه يزيد من عدم القدرة على قراءة المستقبل، فيتطلب أساساً في طريقة تنسيق العلاقات الشخصية ووضع الثروة، وممارسة الأعمال، ففي ظل هذا النظام يعد الوقت منتظماً، فالسرعة وعدم انتظام الوقت سمة أساس لهذا النظام، تبعاً للمتطلبات المستمرة المتسارعة، بل والمتطورة في حياة الإنسان في كل المجالات، وعلى كل المستويات، فالخدمات والأعمال عامة - بالضرورة - أخذت صفة التطور المستمر من دون توقف، فليس ثمة فرصة بين الطلب والإنتاج والاستهلاك، هذا عصر السرعة، فالأوقات وإيقاعات الحياة تزداد تعقيداً وتفرقاً. وبذلك فإن الانتقال نحو الاستمرارية واضح جداً في عالم المال خاصة، وساعد على ذلك التطور التقني الحديث، فشبكات الاتصال الإلكترونية تسمح- مثلاً- بإجراء عمليات بيع وشراء الأسهم بعد أوقات دوام الأسواق، وكذلك الأعمال التجارية الأخرى، فنظم التجارة في المستقبل لن تعرف النوم، وهنا يلاحظ انتشار فكرة ال(24) ساعة في اليوم على مدار الأسبوع، بل على مدار السنة كلها، كما هو حاصل اليوم في كثير من الأعمال والمصالح، كالأسواق التجارية التي تفتح أبوابها على مدار الساعة (24-24ساعة)، كأسواق ماروتسو Maretsu وأيون ماكس فاليو Aeon MaxValue في اليابان. وفي كل ذلك يشكل التزامن في بيئة العمل والمواعيد عنصراً أساساً في نظام الثروة الجديد، بل هو أحد أسسها العميقة الثلاثة. ومما ينبغي ملاحظته أن (عدم انتظام الوقت في هذا العصر) يقصد به عدم الرتابة والفصل بين أوقات العمل وميادينه التقليدية فكل ذلك صار اليوم غير ملائم، فالوقت بالنسبة للأعمال صار مفتوحاً مستمراً. ولم يعد النشاط الاقتصادي حكراً على أماكن الثروة الباطنية، والأراضي الصالحة للزراعة، وطرق التجارة العالمية التقليدية، بل أصبح الاقتصاد معرفياً، يعتمد على معطيات البحث العلمي، فبدأ يتحول اليوم إلى النظام الرقمي، فمصادر الثروة في هذا العصر هي الجامعات ومراكز البحث العلمي، ومراكز نظم المعلومات، ومجالات حركتها وآليتها شبكة الثورة الرقمية، التي جعلت عالم اليوم، كما يردد الناس كثيراً (قرية صغيرة). مدى تحرك الثروة: تتحرك الثروة - بمختلف أشكالها - على مدى قطاعات الاقتصاد المختلفة، وأخذ مداها يتسع، بحكم التطور الذي يحصل في هذا العصر، وهذا الاتساع أصبح أمراً ضرورياً، وهو ما نشهده بصورة فعلية فيما يحتاج إليه اقتصاد أي دولة من استيراد مواد أولية أو حتى تقنية مصنعة، تستوردها من دول عدة، لإنتاج مادة أو بضاعة ما، ثم يتبعها إلى دول أخرى.