تسارعت أمس الاتصالات في شأن الازمة اللبنانية، والتي تولى الجزء الأكبر منها رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط العائد من لقاء الرئيس السوري بشار الأسد امس الأول، في محاولة اللحظة الأخيرة لضبط إيقاع الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها اليوم الرئيس اللبناني ميشال سليمان لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة العتيدة والحؤول دون الفلتان السياسي الذي من شأنه ان يُدخل البلد في أزمة مفتوحة لا تقتصر على مسألة التكليف وإنما تتجاوزها الى التأليف، لا سيما بعدما تردد ليلاً ان هناك إمكانية لتأجيل الاستشارات بعض الوقت إفساحاً في المجال امام تمديد الفرصة للبحث عن المخارج، لكن لا شيء بدا نهائياً حتى المساء. ويعود القرار الى سليمان في حال توافقت الأطراف الرئيسة على التأجيل وقدمت اقتراحا واضحا في هذا الاتجاه. ومع ان اقتراح التأجيل بقي متأرجحاً ليل امس، فإن المواكبة الدولية والعربية والإقليمية لتطورات الأحداث المتسارعة أثمرت عقد قمة غداً في دمشق يشارك فيها، إضافة الى الأسد رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وفق ما أعلنه الناطق باسم الخارجية التركية سلجوق أونال. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن الناطق ان جدول اعمال القمة الثلاثية محصور ببحث الأزمة السياسية في لبنان. وإذ أبدت الأطراف الرئيسة في لبنان ارتياحها الى عقد هذه القمة، ورأت فيها بادرة خير يمكن التأسيس عليها لإنضاج الرغبة في تأجيل الاستشارات النيابية، قالت مصادر قيادية في المعارضة ل «الحياة» ان «هذا الجهد الثلاثي مشكور لكن لا بد من ملاقاته لبنانياً وبالدرجة الأولى من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري»، الذي رشحته أمس كتلة «المستقبل» النيابية لتولي رئاسة الحكومة العتيدة. ولدى سؤال هذه المصادر عن المطلوب من الحريري، قالت ان جنبلاط لم ينقطع عن التواصل مع أركان الدولة، وهو التقى أمس رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ثم اجتمع مع الحريري قبل ان يرسل موفداً لمقابلة رئيس الجمهورية. وأضافت المصادر ان الباب لم يُقفل أمام الوصول الى تسوية على قاعدة مبادرة الحريري الى تبني ما ورد في الورقة السورية – السعودية وإبداء استعداده لإدراج بنودها الرئيسة في صلب البيان الوزاري، خصوصاً تلك المتعلقة باستيعاب تداعيات القرار الظني في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، «ومن ثم لا مشكلة امام توافق الكتل النيابية الرئيسة أو غالبيتها على الأقل على تأجيل الاستشارات النيابية ونظن أن رئيس الجمهورية يستجيب لرغبتها». وكشفت المصادر عينها ان مسار الاستشارات النيابية رهن بموقف الحريري في هذا الخصوص، فيما نقلت مصادر في «المستقبل» عنه سؤاله إذا كان المطلوب منه التنازل عن المحكمة الدولية وبعدها تقرر المعارضة ماذا تفعل، أي من دون ان تلتزم بأي خطوة من قبلها. ونقل نواب في «المستقبل» عن الحريري قوله بعد ترؤسه الاجتماع الطارئ للكتلة: «لقد أكدت من امام القصر الجمهورية بعد مقابلتي الرئيس سليمان التزامي بالجهود السعودية – السورية رغم ان المملكة العربية السعودية انسحبت منها من دون ان تنسحب من لبنان وهي حريصة عليه ولن توفر جهداً لدفع اللبنانيين الى التفاهم للخروج من المأزق الذي نحن فيه». وأكد النواب ان الحريري لن يكرر ما حصل معه بعد قوله لجريدة «الشرق الأوسط» إن اتهام سورية في جريمة اغتيال والده كان اتهاماً سياسياً وخاطئاً وأن شهود الزور ألحقوا الأذى بالعلاقات اللبنانية – السورية. وأكد النواب أيضاً أن الحريري على موقفه الذي أعلنه في حديثه لجريدة «الحياة» وفيه انه ملتزم بالجهود السعودية – السورية وأنه ينتظر خطوات وإجراءات من الفريق الآخر كان التزم بتنفيذها «وهي جميعها لمصلحة البلد ولا شيء شخصياً لي». وتوقف الحريري أمام التحرك الذي يقوم به جنبلاط ونقل عنه النواب انه يواصل اتصالاته «لكن الصورة النهائية... لم تكتمل»، مشيرين الى أن فرنسا ايضاً ما زالت تتحرك من اجل عقد اجتماع للجنة الاتصال من اجل لبنان، على أن يشارك فيها الى جانب فرنسا، كل من الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا وقطر وسورية ومصر وطبعاً لبنان، وأن الحريري شخصياً أصر على أن تكون سورية في عداد هذه المجموعة. الى ذلك، على صعيد الاجتماعات النيابية التي عُقدت لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، لوّحت ليل أمس مصادر رئيسة في المعارضة باحتمال تسميتها الرئيس عمر كرامي في حال وصلت المساعي الى طريق مسدود. وقالت إن لا شيء نهائياً بهذا الخصوص لكن الكتل المنتمية إليها تميل الى تسميته «والقرار النهائي سيعلن فور الانتهاء من المشاورات» التي بدأت ليل أمس، مع أن رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون استبق قرارها في موقف بدا انه يقطع الجسور مع الحريري باعتبار أن ظهور الأخير في الشريط الذي بثته محطة «الجديد» «يجب أن يؤدي الى نزع حقوقه المدنية»، وقال عون: «لن أقبل أن أجلس مع شاهد زور». وزاد موجهاً كلامه الى النواب: «كل من يقف الى جانب الحريري هو الى جانب شاهد زور ومع الفساد وسنعتبره مسؤولاً فعلياً». ووجه عون «رسالة الى صديقنا النائب الزميل» وليد جنبلاط بأنه «ترك السياسة الخطأ والتحق بالموقع الصح... وهو لا يستطيع ان يكون في الاثنين... وأتمنى أن يلهمه الله ويأخذ الموقف الصح ونحن نعرف ان موقفه صعب كثيراً والأمور ليست سهلة على الدوام وعليه أن يأخذ موقفاً». وقال إن هناك «اتهاماً موجهاً الى الحريري من خلال ما بثته محطة «الجديد» وتكملة الفيلم اليوم (مساء أمس على محطة «الجديد»)... هناك استحالة للتعاون (مع الحريري) وعليه ان يستقيل ويضع نفسه بتصرف القضاء اللبناني». ورد المكتب الإعلامي للرئيس الحريري على التقرير الذي بثته محطة «الجديد»، وقال ان التسجيلات الصوتية التي تنسب الى بعض الشهود امام لجنة التحقيق الدولي «هي جزء من عملية مخابراتية بامتياز تطرح علامات استفهام كبرى حول كيفية الحصول عليها، والدوافع من ورائها وإذاعتها بالطرق المثيرة التي يجري إعدادها لبعض وسائل الإعلام»، مضيفاً ان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ومكتب المدعي العام في المحكمة الدولية «معنيان بتوفير سلامة التحقيق وسريته وهذا يتطلب تشدداً في ضمان سرية الوثائق والمعلومات والإفادات وإجراء كل ما تتطلبه العدالة في هذا الشأن». بدوره، أرجأ جنبلاط الاجتماع الذي كان مقرراً عصر امس للوزراء والنواب الحاليين والسابقين المنتمين الى «اللقاء الديموقراطي» لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة. وأبلغ أمين السر العام في الحزب «التقدمي» شريف فياض المدعوين بتأجيل الاجتماع بذريعة ان هناك تطورات حاصلة لا بد من مواكبتها وأن الاجتماع سيعقد حتماً قبل بدء موعد الاستشارات النيابية. لكن مصادر مواكبة قالت ل «الحياة» ان التريث في عقد الاجتماع نابع من رغبة جنبلاط في إعطاء فرصة للجهود الرامية الى البحث عن تسوية، خصوصاً ان نواب اللقاء يشكلون «بيضة القبان» في حسم اسم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة في حال ان الانقسام بلغ ذروته ولم يعد من مجال للتوافق. وعليه يتوقف كيف سيحدد موقفه بعد ان خرج من «قوى 14 آذار» من دون ان يخرج من تحالفه مع الحريري في وقت استعاد تحالفه القديم – الجديد مع القيادة السورية. يذكر ان الوضع الراهن في لبنان لا يزال موضع اهتمام عربي ودولي وإقليمي وكان موضع بحث في الاتصال الذي تلقاه سليمان من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وأكد في خلاله، بحسب البيان الصادر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية في بعبدا، أن «التطورات الأخيرة في لبنان لها طابع سياسي بامتياز وتتم معالجتها وفق الدستور وبالطرق الديموقراطية»، لافتاً الى ان اللبنانيين «سيتمكنون من تلافي الوصول الى أزمة وإيجاد الحلول من طريق اعتماد نهج الحوار والتوافق». لكن في ظل توقعات في إعادة خلط الأوراق في الاستشارات النيابية، لم يجب أحد عن الحل في حال تعادلت الأصوات بين تسمية الحريري والمرشح المنافس الذي ستختاره المعارضة علماً ان البرلمان يتألف من 128 نائباً. إلا ان غرق القوى السياسية في «التبصير» عن ما ستؤول إليه الاستشارات النيابية، لم يحجب الأنظار عن إعلان وزير العمل بطرس حرب من أمام بكركي بعد مقابلته البطريرك الماروني نصرالله صفير أن الأخير قدّم استقالته للفاتيكان وأن البابا بنيديكتوس السادس عشر ينتظر الوقت المناسب للنظر فيها. وعلمت «الحياة» أن صفير أعلم منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي الفاتيكان برغبته في الاستقالة وأنه لم يتقدم بها خطياً بناء لرغبة البابا. نصرالله وأشار نصرالله في رسالته المتلفزة الى المسعى السعودي-السوري لحل الأزمة اللبنانية، وأضاف: «منذ البداية الجانب السعودي كان واضحاً وقال لا يمكن إلغاء المحكمة الدولية لأنها أقيمت من مجلس الأمن الدولي وهذا الموضوع عند أميركا وفرنسا وغيرها، وقلنا نحن نتفهم ذلك. والموضوع الثاني ان الجانب السعودي يقول لا يمكن إلغاء القرار الظني ونحن تفهمناه لأنه ليس عنده بل عند الأميركي والإسرائيلي ولا يتوقع من الجانب السعودي ان يمون عليهما، وطرح من البداية ان الممكن أمران: تأجيل القرار الظني أسابيع عدة او اشهراً ريثما يتم الاتفاق على الأمر الآخر وهو كيف يمكننا ان نحمي لبنان من تداعيات القرار الظني. هذا كله حصل في الأيام الأولى وهذه المفاوضات كانت سرية وقلنا نحن نتفهم وليس لدينا مشكلة ونحن نعرف اننا مستهدفون لكننا حريصون على امن البلد وصلنا الى نتيجة تقول ما يلي: كيف نحيد لبنان؟ وهذا ما أشرت إليه في خطاب عاشوراء ومن خلال 3 بنود، ان الحكومة تجتمع وتقوم ب3 أمور الأول سحب القضاة اللبنانيين وثانياً وقف التمويل اللبناني والثالث هو إلغاء مذكرة التفاهم بين الحكومة والمحكمة الدولية. هذه البنود الثلاثة اذا أخذت بها الحكومة لا تعني إلغاء المحكمة الدولية ابداً فهي قائمة بمعزل عن رأينا ولو سحب القضاة يعدل قانونها ويستعاض عنهم بقضاة آخرين، ولو وقف التمويل نوفر على الشعب. اما مذكرة التفاهم فهذا يعني ان لبنان بمعزل عن تداعيات القرار». وزاد نصرالله: «ابلغنا من الجانب السعودي انهم موافقون وان الرئيس الحريري موافق، وقالوا لنعقد اتفاقاً، هناك أمور أخرى مطلوبة منكم كمعارضة... وعرضت البنود مع اشتراط ان تبقى سرية لنجاح المفاوضات وفعلاً بقيت كذلك، كانت هناك بنود وافقنا عليها وبعض البنود يحتاج الى نقاش، لكن الجو كان إيجابياً... مرض (خادم الحرمين الشريفين) الملك (عبدالله بن عبدالعزيز) وسفره ووجود الأمير عبدالعزيز معه بطّأت». وقال نصرالله: «قبل أسبوعين او اكثر بقليل جاءنا تأكيد ان الملك وضعه الصحي جيد وهو عازم على مواصلة هذا الجهد للتوصل الى اتفاق وإنهاء هذا الأمر وان نجله قد يأتي في وقت قريب الى دمشق وبيروت للاتفاق على كل البنود وآلية التنفيذ وقيل ان الحريري سيسافر الى أميركا لإتمام هذا الأمر، وقبل سفره أدلى بتصريح (ل «الحياة») وقال ان الاتفاق أُنجز قبل اشهر وهذا جيد مع انه يحتاج الى تدقيق، لكن هناك أموراً مطلوبة من الطرف الآخر، وبعضنا اعتبر التصريح إيجابياً لأنه اول اعتراف من الطرف الآخر الذي كان ينفي وجود اتفاق... سافر (الحريري) الى أميركا وأجرى اللقاءات الأميركية هناك ومن دون أي سابق إنذار يتصل الجانب السعودي بالجانب السوري ليعتذر نتيجة الضغوط والأوضاع بأن لسنا قادرين على مواصلة هذا المسعى. ابلغنا بأن المسعى توقف فجأة من دون مقدمات ولا إشارات... من الذي عطل هذا السمار وأوصل الأمور الى ما وصلت إليه؟ وأيضاً تبلغنا انه سيتم استعجال القرار الظني وسيصدر خلال أيام. تشاورنا مع حلفائنا في المعارضة واجمعنا على انه بات من الواجب ان نقدم استقالتنا من هذه الحكومة وبالتالي إسقاطها». وتابع نصرالله: «أولاً من الواضح ان الأميركيين والإسرائيليين كانوا يرفضون هذا المسعى العربي وتركوه يمشي لفترة من الزمن واعتقد انهم كانوا يراهنون على ان س- س لن يصل الى اتفاق لأنه موضوع صعب، ولكن حين رأوا الأمور متقدمة بشكل كبير تدخلوا بقوة وابلغوا ان الأمر لا يمكن ان يستمر ولهذا توقف بشكل مفاجئ». واتهم نصرالله «أطرافاً سياسية في لبنان كانت تنكر وجود مبادرة» بأنها عملت لإفشالها. واعتبر قول الرئيس الحريري (ل «الحياة) ان الاتفاق أنجز وان على الطرف الآخر تنفيذ تعهداته، «غير صحيح»، سائلاً: «الا ينتظر أسبوعاً او اثنين لنستكمل الاتفاق وآلية التنفيذ لنقطع هذه المرحلة الصعبة؟.. مجرد ان ذهبنا الى أميركا أجهض المسعى وقطع رأسه وهذا محل سؤال كبير؟.. أنا أفهم ان الرئيس الحريري وأفراد فريقه اما انهم من البداية لا يريدون هذا المسار والتفاهم ومشوا به نتيجة ضغط السعودية وانهم ليس فقط لا يريدون بل ذهبوا الى التحريض، وإما كانوا يمشون إنما هناك إرادة أميركية قاهرة». وأشار نصرالله الى البنود التي تحدث الحريري عن ضرورة تنفيذها من جانب المعارضة، وقال ان «فيها بنداً او اثنين فيهما مصلحة وطنية اما بقية البنود فهي مصلحة للفريق السياسي والأمني للرئيس الحريري». وأوضح ان أحد البنود المطلوبة إغلاق ملف شهود الزور، مشيراً الى ما بثه تلفزيون «الجديد» أول من أمس في شأن علاقة الحريري بأحد الشهود، والى وثيقة كان يفترض بثها ايضاً من جانب تلفزيون «المستقبل» ليلاً، سائلاً من اين تأتي الوثائق مع ان التحقيق سري. واعتبر نصرالله ان الحكومة كانت عاجزة في المجال الاقتصادي، كما في المجال السياسي، رابطاً ذلك بإسقاطها، ولافتاً الى عدم اللجوء الى الشارع، وقال: «المعارضة مجمعة على عدم تسمية الحريري»، سائلاً عن سبب الاهتمام العالمي في «هذا الاستحقاق الوطني الدستوري». وحدد نصرالله توجه الحزب في المرحلة المقبلة، قائلاً: «يستحيل علينا بعد الآن أن نسكت على حكومة تحمي شهود الزور، أو تحمي الفساد أو لا تجعل القضايا المعيشية أولولياتها، وكذلك ما نطلبه من الحكومة هو أن لا تتآمر على المقاومة، ونأمل بأن يشكل اللبنانيون حكومة قادرة وفاعلة، وما جرى في تونس يجب ان يكون عبرة». وتابع: «في ما يتعلق بالقرار الظني يجب أن ننتظر ماذا يحصل غداً ولن نسمح بأن تمس سمعتنا أو كرامتنا او ان يأتي أحد في الكون ويلبسنا ظلماً وعدواناً دم الرئيس رفيق الحريري ولو ظناً».